الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

21 أبريل

أكثر مشهد يُمتعني بالنافورة الراقصة في دبي، حين تدفق الأنابيب الماء إلى الأعلى بكل قوتها، والمتعة ليست بالصورة تحديداً وإنما بالصوت الذي يصدر عنها حين تدفع الماء إلى أعلى نقطة، حتى الموسيقى الصاخبة تعجز عن إخفائه، وبين الازدحام وجدت لي مكاناً مناسباً أخيراً على السلالم بالقرب من مدخل المركز التجاري، كنت واقفة خلف عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال، كان الجميع من حولنا متجمداً في مكانه يرفع هاتفه ليصور مقطع فيديو للنافورة وهي تتراقص وتعلو وتهبط، إلا تلك العائلة، كانت كثيرة الحركة، وحين دققت أكثر وجدت أن الأم والأب يتحدثون إلى أبنائهم بلغة الإشارة، كانا أصمّين هما الاثنان. لم يكونا يشعران بمن حولهما فعالمهما هادئ جداً، لكنه هادئ حدّ الارتياب، الأم كانت كثيرة التلفّت، فهي لا تدري متى ستركض ابنتها بعيداً لتُلاحق بائع البالونات أو يختفي ابنها بين الزحام دون أن ينتبه، أو يبكي رضيعها في العربة، كانت حريصة على أن تدفع العربة بالعكس، ليتسنى لها النظر إلى الصغير لتعلم أوان بكائه أو حاجته للرضاعة أو الخوف من اختناقه بالغطاء أو أي شيء آخر. في الحادي والعشرين من شهر أبريل سيحل أسبوع الصم في الوطن العربي، وذلك للتذكير بهم وبأهمية دمجهم في المجتمع وتفعيل أدوارهم اجتماعياً أو إدارياً أو مهنياً، ولتوفير فرص العمل المناسبة لهم وتأهيلهم للعب دور بارز في منظومة الحياة، ووضع خطط تكفل لهم حقوقهم في العمل وفي المجتمع، وقد قطعت الإمارات في ذلك شوطاً متقدماً، حتى إن بعض الصم قاموا بوضع لغة إشارة خاصة باللهجة الإماراتية. الصم والبكم لا ينطقون، لكنهم أكثر من يفقهون لغة العيون، لدينا عامل أصم يعمل بالزراعة في منزلنا، لا يتحدث لغة الإشارة - لغة الصم والبكم - المتعارف عليها، لكنه في النهاية يستطيع إيصال رسالته، فيفهمه الجميع ويفهمنا، وابن جارنا في المنزل القديم كان أصم أبكم ويزورنا بشكل يومي كل مساء حين كنا صغاراً، لم نشعر يوماً أنه كذلك، فلا خوف على الإنسان من أن تتعطل لغته، فهو قادر على إيجاد طريقه إلى لغته الخاصة على الدوام.