السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

التعليم المنزلي

كتبت عن التعليم المنزلي أول مرة قبل ما يقرب من عشرة أعوام في مدونة، وما زلت أذكر حتى اليوم ردة الفعل، هناك أناس رحبوا بالفكرة وآخرون رحبوا بحذر وهناك من اعترض ومن شد انتباهي هم المعترضون بعنف، أحدهم اتهمني بأنني أدعو للجهل والتخلف بحديثي عن التعليم المنزلي، وهناك من أغلظ القول وكان هذا أمر مستغرب وما زال، لذلك أود أن ألقي نظرة على فكرة التعليم المنزلي مرة أخرى. التعليم المنزلي باختصار هو أن تمارس الأسرة دور التعليم بدلاً من المدرسة، قد ترغب أسرة في تعليم الأبناء في المراحل الأولى، بعضهم يفعل ذلك لظروف خاصة بهم ولمدة مؤقتة وبعضهم يفعل ذلك من البداية وحتى يصل الطفل إلى سن يسمح له بدخول الجامعة، ونعم يمكن لمن تعلم في المنزل أن يدخل الجامعة مباشرة، هذا يحدث في الدول التي تعترف بهذا النوع من التعليم. هذا التعليم معترف به قانونياً في أستراليا وفي كثير من الولايات الأمريكية، ويسمح به في بلدان كثيرة كبريطانيا، حيث التعليم إلزامي لكن المدرسة ليست إلزامية، وهناك بلدان تمنعه مثل ألمانيا وتركيا، وهناك بلدان ليس لها موقف واضح من هذا التعليم حيث قوانينها تفرض إلزامية التعليم لكنها لا توضح إن كان التعليم الإلزامي يعني الالتحاق بمدرسة. أنواع هذا التعليم كثيرة وبحسب ظروف كل عائلة، هناك عوائل ترى مشاكل جذرية في التعليم الرسمي المدرسي وهي تريد تقديم بديل أفضل للأبناء، بعضهم يحاكي المدرسة وموادها وفي الطرف الآخر هناك من يقدم تعليماً مرناً يرفض كتب المدرسة ويستخدم كل المصادر التعليمية المتوافرة المجانية وغير المجانية، ويجعلون يوم الطالب كله تعليماً، فيصبح الذهاب إلى البحر مثلاً فرصة لتعلم شيء عن الحياة البحرية، أو حتى التسوق نفسه يصبح وسيلة لتعلم أشياء كثيرة، من أين أتت كل هذه المنتجات؟ كيف صنعت؟ ويمكن للطفل تعلم الحساب والأرقام من خلال التعاملات المالية، وكثير من أسر التعليم المنزلي تستغل هذه الفرصة لتعليم الطفل مهارات مالية سيحتاج إليها في المستقبل. يعترض البعض على هذا التعليم لأسباب مختلفة، البعض يرى أن الأسر غير قادرة على تعليم الأبناء، وهذا صحيح إن ركزنا فقط على هذه التجارب الفاشلة وتجاهلنا كلياً التجارب الناجحة التي كتب عنها أناس كثر حول العلم ويشاركون بتجاربهم في الشبكة، التعليم المنزلي هو خيار لمن يستطيع أن يقدمه لأبنائه، إن كان الشخص غير قادر على تحمل هذه المسؤولية فربما المدرسة خيار أفضل. نقطة ثانية تطرح للاعتراض على هذا التعليم وهي التواصل الاجتماعي، البعض يظن أن الطفل لن يجد فرصة لتشكيل صداقات إلا في المدرسة، وهذه الفكرة أجدها مشكلة في الأساس، لأن تشكيل الصداقات كما أراه يفترض أن يكون مكانه الحي، التعرف على أبناء الجيران واللعب معهم، ما الذي تغير لتعتمد هذه العلاقات على المدرسة؟ ثم أرى أن المدرسة مكان غير طبيعي لتكوين مثل هذه العلاقات، سبق أن تحدثت عن مدرسة مونتيسوري وكيف أنها تجمع في الفصل طلاباً من أعمار مختلفة وهذا ما أراه طبيعياً، المرء منا يتفاعل مع الكبار والصغار طوال حياته إلا في المدرسة حيث يعيش في فصل واحد مع أشخاص متقاربين في العمر وهذا ما أعنيه عندما أقول إنها مكان غير طبيعي. من يمارسون التعليم المنزلي وجدوا حلولاً لهذه المشكلة وذلك من خلال تنظيم أنشطة تجمع بين الأسر التي تمارس هذا التعليم. بعد سنوات من كتابتي عن التعليم المنزلي وصلتني رسالة من شخص أعرفه يخبرني أنه تزوج ورزق بولد وأنه سيمارس التعليم المنزلي، لا أخفي أنني شعرت بالقلق للحظة، لكن شعرت بسعادة كذلك لأن الفكرة وصلت ويطبقها شخص واحد على الأقل، على أمل أن تصل لآخرين، لا أدعي بأن التعليم المنزلي مثالي وخال من المشاكل، لكنه بالتأكيد خيار مناسب للكثير ونجح في تجارب كثيرة، فلِمَ لا نتعلم من هذه التجارب؟ [email protected]