الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

هل هي الانتفاضة الثالثة؟

أخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منحى جديداً خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن هذا المنحى تبلور فعلاً عندما بدأت القيادة الفلسطينية بممارسة الحرب الدبلوماسية بذكاء أدى، ولأول مرة، إلى ولوج المجتمع الدولي بانتزاع أصوات 138 دولة لصالح القرار الأممي بقبول فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة في نوفمبر 2012. كما شهدت سنة 2014 حركة اعترافات رمزية كبيرة من قبل مختلف البرلمانات الأوروبية، بالسلطة الفلسطينية، وبدأت بذلك السويد رسمياً من قبل الحكومة في 30 أكتوبر 2014 لتكون أول دولة أوروبية تقوم بذلك، ثم تلتها العديد من الاعترافات حتى بلغ عدد الدول المعترفة بدولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية حتى إعداد هذه المقالة 153 دولة. وفي الأول مــن أبريل 2015 أصبحت فلسطين العضو 123 في المحكمة الجنائيــة الدولية، والدولة العربيــة الثالثة بعــد الأردن وتونــس. ويمثل هــذا التحــرك الفلســطيني الاستراتيجية الثالثة للفلسطينيين عبر التاريخ الفلســطيني بعد الاستراتيجية الأولى في إعلان حركة فتح انطلاق الكفاح المسلح الفلســطيني. والثانية كانت العمل السياســي ومفاوضات أوسلو الســلمية. وخلال ذلك كله وبعده ولغاية اليوم استمرت سلطات الاحتلال في إرسال رسائل التحريض والكراهية والتفرقة العنصرية من خلال تصعيد اعتداءاتها التي شملت قتل الأبرياء وحرقهم وحرق المساجد والأشجار، وزادت الهجمات الإسرائيلية ولا سيما من قبل المستوطنين تحت حماية الجيش الإسرائيلي موقعة العشرات من الجرائم البشعة ضد مجمل فئات الشعب الفلسطيني بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء. وتبلورت هذه الجرائم يوم 30 يوليو 2015 في بلدة دوما القريبة من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية عندما هاجم المستوطنون منزلين لفلسطينيين وصبّوا مواد حارقة حولهما قبل أن يشعلوا فيهما النيران. وخطوا قبل فرارهم من المكان شعارات عنصرية باللغة العبرية مثل «يحيا الانتقام» و«انتقام المسيح» ما أدى إلى استشهاد الرضيع علي سعيد دوابشة ووالدته ووالده حرقاً، وقد انتفضت الضفة الغربية والقدس رداً على هذه الجريمة، ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن 25 فلسطينياً. وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان جريمة حرق الصبي محمد أبو خضير حياً في القدس المحتلة قبل حوالي عام. حيث اشتبك الغاضبون حينها مع جنود الاحتلال في رام الله والقدس والخليل ومدن وقرى ومناطق أخرى. وتتابعت ردود فعل الشارع الفلسطيني عقب جريمة حرق عائلة دوابشة ما أدى إلى القيام بالعديد من الهجمات الفلسطينية على المستوطنين الإسرائيليين، ما أشاع الهلع والرعب في المستوطنات. وأشارت تقديرات الأمن الإسرائيلي إلى وجود رغبة لدى الفلسطينيين بشن المزيد من الهجمات الانتقامية. وأوضحت القيادة العسكرية والأمنية أنها لم تفاجأ من هذه الرغبة الفلسطينية في الانتقام. وكانت ذروة الاعتداءات تلك الموجهة ضد المسجد الأقصى من خلال منع دخول المصلين وممارسة اعتداءات متكررة على أطفال المخيمات الصيفية داخل المسجد في القدس المحتلة وعلى حراس المسجد بالهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع بحجة محاولة إبعادهم عن مدخل المسجد للسماح للمتطرفين اليهود باقتحامه، ما أثار غضب الشعب الفلسطيني. ووصف مختصون في شؤون القدس والأقصى ما يجري بأنه «التقسيم الفعلي للأقصى»، ما يمهد لتحقيق جماعات التطرف اليهودية مخططاتها القاضية ببناء الهيكل، بدعم من حكومة الاحتلال التي باتت تسخر لهم كل أسباب الحماية. وفي غزة التي عايش سكانها ثلاثة حروب خلال خمسة أعوام، تعمدت فيها قوات الاحتلال قتلهم والتنكيل بهم، وتدمير منازلهم وإحداث آثار اقتصادية يحتاج التعافي منها عشرات السنين، لا يبخل السكان الذين تابعوا أحداث الاقتحامات والتنكيل بمصلى المسجد الأقصى، بأن يدفعوا بأجسادهم لتكون جداراً يصد المتطرفين الإسرائيليين، ومخططات حكومة تل أبيب التي تسعى لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً. وفي القدس المحتلة كانت أوساط أمنية في إسرائيل قد أبدت مخاوفها من دعوات تتصاعد داخل حركة فتح للعودة للعمل المسلح في الضفة الغربية وعدم الاكتفاء بالحجارة. كما أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل قد دخلت في حالة تأهب نتيجة خوفها من قيام منظمات فلسطينية مسلحة في الضفة كانت ملاحقة من قبل جهاز الأمن الفلسطيني بالانتفاض. إنها فعلاً بوادر الانتفاضة الثالثة والتي ستأخذ بلا شك منحى مغايراً للانتفاضتين السابقتين، فالفلسطينيون يريدونها انتفاضة اللاعودة.