السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الإرجاف والتهويل

إن كثيراً من الناس إذا رأى مصيبة أو منكراً أو تغيراً في أحوال المسلمين وضعفاً مع عدوهم، جزع وكلت عزيمته وربما ناح كما ينوح أهل المصائب، وهذا منهي عنه والمأمور به في هذه الأحوال الصبر والإيمان والثبات على الحق والتوكل على الله واليقين بأن العاقبة للمتقين، وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وهذا ما تقرره علوم الاستراتيجيات المعاصرة إذ تؤكد أن تهويل قوة العدو في النفوس يزعزع الروح المعنوية، كما أن التقليل من شوكة العدو فيه دعم معنوي تقوى به القلوب، وهذا كله من الحرب النفسية وقد نبّه تعالى لها في كتابه في صور ثلاث. ففي يوم بدر أرى الله نبّيه الكفار في منامه قليلاً قال تعالى: «إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر» فقوى بذلك عزائم المؤمنين على لقاء عدوهم ولو أراه الله أنهم كثير لفشلوا. ولما تقابل الصفان أرى الله كل طرف الآخر بأقل مما هو عليه ليغري كل فريق بالآخر قال تعالى: «وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً». ولما التحم الجيشان أظهر الله المسلمين في عيون الكفار كأنهم ضعف عددهم فطارت قلوب الكفار هلعاً وتزايلت أطرافهم ذعراً حتى أمكن الله المسلمين منهم، قال تعالى: «قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين». وما فعله الشيطان من تهويل قوة الكفار عند أنفسهم ليجرئهم على المسلمين كان من هذا القبيل قال تعالى: «وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس». وهكذا مفهوم التشريد في قوله تعالى: «فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم»، ومفهوم الإعداد للترهيب في قوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم»، كل هذه الدلالات تشعر بأهمية الأثر النفسي في الحرب والمواجهة، لذا يجب أن يفتح وعي المسلمين لخطر التهويل للعدو، وتوجه هممهم ليعصبوا على جراحهم، ويحترسوا من الانحدار للإرجاف، فقد شنع الله على المرجفين بقوله: «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً». [email protected]