الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

اللوحة الحروفية

يطعّم فنانون تشكيليون لوحاتهم بإبداعات خطية تتناغم مع مدارس الفن المختلفة من تجريدية وتكعيبية وسيريالية، مستفيدين من خواص الحروف العربية، التي تمتاز أغلبها بأنها متصلة ما يمنح المبدع إمكانيات هائلة لتطويع الحروف ومزجها باللون والظل والضوء وبقية مفردات اللوحة. وينبع الفن الحروفي من استخدام الخط أو الحرف بتشكيلات لا نهائية في اللوحة، بحيث تصبح أحد مكوناتها أو ترسم شخصياتها، يجسد الكتلة ويمتزج بالفراغ، ويضفي إيقاعاً موسيقياً غير مرئي، ولكن الناظر يحسه بوجدانه. يرجع الناقد التشكيلي حسان عطوان، شيوع ظاهرة استلهام الخط العربي وعناصر الزخرفة والمعمار العربية أو «اللوحة الحروفية» في الحركة التشكيلية العربية، إلى نهاية أربعينيات القرن الماضي وبداية الخمسينيات. ويعرف عطوان اللوحة الحروفية بأنها جامعة للقيم الجمالية للخط العربي، وقيم التشكيل الحديث منبثقة من تيار المدرسة التجريدية «الخطية والهندسية واللونية»، مشدداً على شيوعها في الوقت الحاضر للحد الذي أصبحت فيه تنافس اللوحة الكلاسيكية لحد بعيد. بالمقابل، ترى مديرة علاقات إحدى القاعات الفنية، روكسانا ستيفان، أن الفن الكلاسيكي لا يعوَّض مهما بلغت درجة رقي أساليب الرسم الأخرى، ربما بسبب وضوحها وقربها من المشاهد، فضلاً عن إبداع فنانيها. من جهتها، تعتقد الفنانة الإماراتية نوال العامري، أن كلاً من الرسم والخط حالة جمالية إبداعية موحدة، وهي تفضل رسم المفردات في اللوحة بدلاً من وضع الحروف وحدها، كي تساعد المتلقي على فهم اللوحة، فضلاً عن استلهامها طاقة روحية تدخلها في عوالم صوفية عند تسطيرها لكتابة وزخرفة آيات الذكر الحكيم. من جانبه، يعمد الخطاط الفنان محمد مندي للرسم من خلال الخط نفسه، منوهاً بأن الفراغات بين الخطوط تشكل بدورها اشكالاً مختلفة مثل الطيور، أو القمر، أو الأغصان، بما يعكس صورة الطبيعة. ويوضح مندي أن حرفي الألف واللام عندما يكتبان بخط الجلي ـ ديواني يشعران الرائي وكأنه جالس في حديقة ورود، وحرف الألف بخط الثلث يشبه إنساناً يمشي، وحرف العين بالخط الفارسي يشبه البيضة. وهو يستلهم ألوانه من الطبيعة نفسها، من الشروق والغروب، لون السماء، الزهور، مشيراً إلى قدرة الخالق في تصوير الجمال بألوانه، ويضرب مثلاً بريشة الطاووس التي خُلقت بنهاية محددة كأنها خصصت لملئها بالحبر من قبل الخطاطين. وعن رأيه في استخدام الحروفيين للخط العربي يؤكد «لا مانع طبعاً من استخدام الخط العربي في لوحات الرسم، بشرط دراسة أصول الخط العربي من الرسام، قبل الشروع في استخدامها كي تصبح حروفه قوية متماسكة». في السياق نفسه، يعتبر رئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية خالد الجلاف، أن عنصري الخط والزخرفة في اللوحة جماليات تعبر عن الهوية العربية الإسلامية. ويدلل على رأيه بإبداعات هندسة العمارة الإسلامية، وتجسيدها في المساجد والمآذن، وهو ما عكسه بلوحة خطية ذات تكوين بصري جامع للخط والرسم معاً، بدقة مدروسة.