السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

درس في الديمقراطية

لطالما كانت الديمقراطية علك بعض المثقفين يلوكونه في حواراتهم السقيمة حول الخصوصية العامة للخليج العربي، خصوصاً في بدايات النشأة للبلاد، فأولئك الذين رحلوا للدراسة في مصر جاؤوا بفكر اجتاح العالم العربي بدعوى أنه الحل الأمثل للتشرذم العربي والاصطفاف حول قيادة عربية واحدة تحقق الحلم العربي الكبير بالوحدة الفعلية وليس التكاملية والتي تحقق المساواة بين الطبقات، وكان التطبيل حينها للوحدة التي تمت بين مصر وسوريا التي سرعان ما انتهت وتبادل الطرفان اتهامات الخيانة، فاتجهت إلى اليمن بالدخول العسكري المباشر لطرد الشيوعية وإحلال العروبية محلها، وقد آلت إلى فشل ذريع أيضاً، في حين جاء من سافر إلى العراق بالفكر البعثي الذي ينتهج سياسة القتل والسيطرة القسرية والعمل السري والعنف، ويمكن للقارئ العودة إلى مذكرات صاحب السمو الشيخ الدكتور محمد بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة لبيان تلك السياسة المتبعة من ذلك الحزب عندما تعرض لمحاولة التجنيد للحزب، فيما جاء الذين درسوا في الكويت بالفكر الديمقراطي الليبرالي التحرري ومشاهد من أحداث ساحة الصفاة الشهيرة بالنسبة لمشاركة المرأة وغيرها من الأمور التي يلوكونها بأنها الديمقراطية. مهما يكن فإن مدارس الديمقراطية العالمية بما فيها الأمريكية والأوروبية كانت حاضرة والتي اعتقنها العديد من أبناء مجتمعات المنطقة الذين تأثروا بالمحيط الاجتماعي الذي عاشوا فيه خلال فترات دراساتهم في تلك الدول، خصوصاً في حقبة السبعينات وبداية الثمانينات، فكانوا المنظرين لها طوال سني حياتهم العملية، وحاولوا الترويج لها بعد أن اتخذوها مناهج لحياتهم العامة والخاصة. أغلب تلك الأطياف والنماذج وعلى مختلف المدارس التي انتموا إليها وحال عودتهم إلى البلاد، كانت العودة بالنسبة لهم عودة للرجعية والتخلف والأمية السياسية العامة ناهيك عن الجاهلية المتفشية في المجتمع بضروريات الحياة الديمقراطية التي تفتقر إليها كل مفاصل الحياة العامة (من وجهة نظرهم) في البلاد، لذا فقد سعى كل منهم للترويج لأفكاره وتسخير قلمه في وسائل الإعلام الناشئة والمعدودة على الأصابع حينئذ لتمجيد الفكر الوحدوي أو الليبرالي والثوري وغيرها من الدعوات، إلا أن الغلبة في تلك الفترة كانت للفكر الناصري الوحدوي الذي يدعو إلى رفعة العرب وتضامنهم وتوحيد صفوفهم وإنشاء الوطن العربي الواحد الذي يمكنه مواجهة الأطماع الأجنبية والوقوف ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وهي التي لقيت رواجاً كبيراً مدعوماً بالثوابت الدينية، على عكس الدعوات الأخرى التي تدعو للتحرر والانحلال الأخلاقي ومشاركة المرأة السافرة في الحياة العامة. وحتى يومنا هذا وبعد أكثر من خمسين سنة لا يزال بعض المتفوهين يروجون لفكرة الديمقراطية في البلدان الخليجية ويتباكون على أنها ليست موجودة في الساحة السياسية والعامة في بلداننا، وأننا لا نزال نعيش في القرون الوسطى في هذه الناحية، متناسين أن الديمقراطية في الخليج هي التي جعلت بعض المؤدلجين في الكويت أعضاء في مجلس الأمة، وهي نفسها التي جعلت إيران تمتلك أصواتاً ناعقة في الإعلام العربي، والشاهد أن من يحظى بجنسية بلد أوروبي من الأعراب يكون أكثر كرهاً للعرب، فهؤلاء انسلخوا من كل شيء حتى الوطن وذابوا في ديمقراطيتهم التي يتباكى عليها البعض. الديمقراطية التي أرغب فيها شخصياً أن أعيش في بلد أستطيع أن أقول ما أريد وأكتب ما أريد، وأقابل من أريد وقتما أريد وأن أشتكي على من أريد ولكن وفقاً للنظام العام المعمول به في البلاد، وأن أستطيع أن أتحصل على حقوقي كاملة وألا أعيش في الشوارع نكرة وأن أموت نكرة، فالديمقراطية ليست بالمقدرة على سب الحكومات والنخب السياسية، ولكن بالمقدرة على العيش دون خوف ولا تجنّ، ونعم نحن لا نقبل أبداً أن يعتلي كراسي السيادة من أسعفهم الحظ بالحصول على الجنسية وتمولهم جهات خارجية كإيران وغيرها ليرهنوا البلاد والعباد، هذه الديمقراطية التي أحب أن أعيشها بكرامة ولو لم أستطع أن أفي بديوني للبنوك. [email protected]