الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

لآخر درهم

في عالم الأعمال، تلخّصُ مقولة ماكس أمستردام التجارة بأنها «فن استخراج المال من جيب رجل آخر دون اللجوء إلى العنف». وتطبيقاً لهذه القاعدة، تبحث وكالات الدعاية والإعلان عن كل منْفَذٍ يساعدها في إقناعك أنت وبطاقتك الائتمانية للمضي قدماً في عملية الشراء. وأقل ما يمكن قوله عن تلك الإعلانات أنها تنافسية للغاية، فهي لا تنام مطلقاً، وقلّما تجدُ كوب قهوتها السوداء فارغاً!! تمتلك تلك التصاميم طريقةً سلسةً في اقتحام خصوصيتك بدون إثارة الريبة. فتارةً تطالعك بأعينها العملاقة من لوحة إعلانية في أحد الشوارع، وتارةً أخرى يتسلل أحدها بينما تتصفح الإنترنت متظاهراً باهتمامه بما تقرأ. نغضب من الإعلان، وقد ننتقدُ المعلن لكننا نتغافل عن الهدف الإعلاني! ولو اخترقنا طبقات المواد التي يجب علينا وضعها كل صباح لنكون «لائقين» اجتماعياً لوجدنا وحشاً استهلاكياً مصاباً بالشراهة يطالبنا بكيس تسوق آخر. بالتالي أصبح التسوق جزءاً مهماً من تفاصيلنا الشخصية بلا وعي حقيقي بذلك. وعندما يأتي الإعلان وقد طُبِعَت على جبينه نسبة مئوية لما سنوفره في حال استمعنا له، نصاب بالدهشة ونرغب بالتنفيذ فوراً. تتلخّص العبقرية الفذّة في فكرة التخفيضات والتصفية الشاملة، بإقناعك أنك ستوفر مبلغاً معيناً إن اشتريت الآن. لكنك في الحقيقة ستدفع مبلغاً معيناً لشراء غرض لست بحاجة ماسة له الآن، وفعل «يدفع» معاكس تماماً للفعل «يوفر»! وبما أن تقييمنا للسلعة يقترن بسعرها، فكلما ارتفع ازداد يقيننا بجودتها. وفي اختيار بين حقيبة كان سعرها 400 درهم وبعد التخفيض وصل إلى 160 درهماً، في مقابل أخرى يبلغ سعرها 80 درهماً ولم تخفض .. يختار الكثير السلعة الباهظة المخفضة بحجة أننا نوفر من السعر الأصلي، ولا نعير الأخرى التي أعجبتنا أيضاً اهتماماً يذكر على الرغم من كونها أوفر ثمناً! اللعب على مفهوم أنك توفر مالاً من المبلغ الأساسي يشتت تركيزك عن كونك ستخسر مالاً الآن، فهل أنت مُستهلِكٌ ذكي أم مُستهلَكٌ وفي؟