الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

أدب المقاومة

إن أدب المقاومة هو أدب إنساني، وبالتالي فهو ليس أدباً يبرر القتل والاعتداء على الآخرين، وإنما يمجد الانتصار برد الاعتداء ومقاومة الشر المتمثل بالسيطرة على مقدرات الشعوب وتهديد حياتهم سواء من عدو خارجي أو عدو داخلي مستبد. ولعل أهم ملامح أدب المقاومة هو الشعور الجمعي في مواجهة الآخر العدواني. هذا الأدب يسعى إلى تحقيق أهدافه من خلال مقارنة حياة الاستعباد التي تعيشها مجموعة من الناس مقارنة بأناس آخرين أكثر حرية وسعادة، كما يظهر ذلك جلياً في أدب المقاومة الفلسطينية المعبر عن سخط العيش تحت نير ذلك الاحتلال البغيض لتتسم خلالها صورة المقاومة بألوانها وخطوطها بعنفوان الشعب المقاوم الثابت على حقوقه وتاريخه وتراثه وجذوره. ومع تفاقم الأوضاع وتطوراتها الدراماتيكية شهدت الثقافة الفلسطينية ميلاد كتّاب منهم «جبرا إبراهيم جبرا» في رواياته عن المنفيين ومعاناتهم، وكتب «غسان كنفاني» عن صراع الفلسطينيين في الشتات من أجل لقمة العيش، وعن تمجيد الفدائيين وروعة بطولاتهم، كما ظهر العديد من الشعراء المبدعين أمثال محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وفدوى طوقان وغيرهم، ليغنوا أشعاراً لم تلهب مشاعر من اكتوى بنار الاحتلال فحسب، بل لامست شغاف الملايين من التواقين للحرية في العالم. في الآونة الأخيرة شهدت الساحة الأدبية في بلدان الثورات العربية بعض المحاولات الإبداعية ولكنها لم تنضج بعد ولم ترق إلى مستوى الأحداث التي هزت تلك المجتمعات وأحدثت اضطراباً كبيراً في بنيتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الديموغرافية، ربما بسبب ضبابية المشهد وعدم وضوح الصورة، وبسبب الفوضى العارمة التي ما زالت تشهدها تلك البلدان من عدم استقرار اجتماعي وسياسي وأمني مما أفقد المبدعين مقومات الحياة التي تساعدهم على الإبداع. ومن تلك الإسهامات رواية «بائع الهوى» للكاتب التونسي حكيم بن رمضان ورواية «كان الرئيس صديقي» للسوري عدنان فرزات، ورواية «عدو الشمس البهلوان الذي صار وحشاً» للمغربي محمد سعيد الريحاني، وكذلك رواية «ورقات من دفتر الخوف» للتونسي أبوبكر العيادي، ورواية «ثورة العرايا» للروائي المصري محمود أحمد علي. وأخيراً صدرت رواية «الكحل الأبيض» للسورية أماني المانع، وتحكي قصة فتاة لوعتها غربة الروح داخل أسوار الفكر المغتصب، وغربة الجسد خارج أسوار وطن ملتهب. سردتها بكل براعة وبلغة شاعرية شفيفة أقرب ما تكون إلى معزوفة حزينة تكوي القلب وتلهب الروح بألحان شجية. وتركت الكاتبة النهاية مفتوحة حين تقف بطلة الرواية عاجزة عن حل نزاع وشيك بين أخيها الذي تربطها به وشائج الدم والقربى وبين حبيب ترى فيه الأمل وسكينة الروح، حيث يسألها كل منهما: من هذا؟ ومقاربة هذا المشهد باجتماع طرفي النزاع السوري في جنيف. ليبقى السؤال معلقاً والجرح مفتوحاً لا يدمله سوى الحوار الهادئ والتوافق والوئام. ما زلنا ننتظر الكثير من الأدباء العرب ليستفيدوا من مستجدات الواقع الجديد وتحليل تلك المستجدات والنهل من أحداثها وتقديم رؤية تصلح لأن تكون منهجاً يؤرخ لمرحلة ويضيء الطرق للشعوب المنكوبة.