الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

فيلسوف الكـــالشيــــــو

«حان وقت عودة الأسكوديتو إلى خزائن نابولي»، هذا هو لسان حال جماهير نادي نابولي الإيطالي طوال الأسابيع الماضية من دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم (الكالشيو)، حيث حلق فريقها للمرة الأولى منذ أعوام خلت بصدارة البطولة الشهيرة في عموم إيطاليا بالبارتيتا أسكوديتو، قبل أن يتنازل عنها لصالح اليوفي بعد خسارته أمام الأخير بهدف نظيف السبت الماضي في الجولة ٢٥ من البطولة. ولم يكن توهج الفريق الإيطالي وليد صدفة في الموسم الجاري، إذ رده الكثيرون إلى مدربه الجديد ماوريسيو ساري الذي فاجأ الجميع بفريق متماسك سحب البساط من تحت كبار البطولة، ليرفع بذلك سقف طموحات النادي وجماهيره في عودة حقبتي 1986 ـ 1987 و1989 ـ 1990 عندما توج نابولي بلقبيه في الأسكوديتو الوحيدين، واللتين تصدرهما الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا، حيث كان لاعباً في صفوف الفريق وقتها. منذ تلك الفترة ظلت عيون نابولي تترقب في كل موسم مارادونا جديداً يخلص خزينة ألقاب ناديها من حالة البيات الشتوي التي تضربها، ليستمر الترقب والانتظار لـ 26 عاماً، قبل أن تلوح أخيراً في أفق البحر التيراني التي تطل عليه المدينة بعض بشائر عودة المجد، والتي بدأت للوهلة الأولى بتألق مواطن مارادونا ومهاجم الفريق غونزالو هيغواين هداف البطولة حالياً، ولكن يبقى مدرب الفريق المغمور ماوريسيو ساري الباعث الحقيقي لأمل نابولي. ردود لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يسيطر ساري على واجهة الأحداث، وهو الذي لا تسنده سيرة ذاتية أو إنجازات ثرة في ساحات كرة القدم وملاعبها، إذ كان قبل عشرة أعوام من الآن موظفاً بنكياً يراقب حركة الأموال في بنك مونتي باتشي في مدينة توسكانا الإيطالية، ولا يعرف عن كرة القدم شيئاً سوى تدريبه لبعض الأندية الهواة بعد نهاية يوم عمله الرسمي، ليجد نفسه العام الجاري مدرباً رسمياً لنابولي خلفاً لمدرب الفريق السابق رافائيل بينتيز. وأثارت خطوة الفريق بالتعاقد مع ساري (57 عاماً) الكثير من ردود الأفعال، كان أولها حديث أسطورة الفريق ماردونا أو إل بييبا ديورو (الفتى الذهبي) كما يحلو لجماهير نابولي تسميته، والذي أكد في أول رد فعل على تعيين ماوريسيو «ساري! بالطبع لن نحقق أي شيء معه». صفات لا ينحصر اختلاف ساري عن بقية المدربين في الدوري الإيطالي في كونه لم يلعب يوماً في كبريات الفرق، كما هو حال مدرب الإنتر روبرتو مانشيني، ومدرب روما لوتشانو سبالتيي، وإنما أيضاً في فلسفته التدريبية والحياتية أيضاً. ويسعى ساري الذي أكد في أكثر من مرة كرهه لحياة الترف التي يعيشها مجتمع كرة القدم والمتمثلة في اقتناء المجوهرات الثمينة، إضافة إلى إصراره على مخالفة بعض المدربين ممن يركزون كثيراً على جانب الأناقة، مثل مدرب اليوفي ماسيلميانو إليغري، إلى وضع بصمة جديدة له في عالم التدريب. ويكتفي ساري بارتداء شعار النادي الذي يدربه، وينغمس طوال أوقات فراغه في قراءة عميقة لنصوص تشارلز بوكوفسكي، وجون فانتي الإبداعية، قبل أن ينطلق إلى مزاولة عمله مع الأندية التي يشرف عليها، مستخدماً في بعض الأحيان طرقاً تدريبية غريبة وغير مألوفة، مثل التدرب على ملاعب طينية، وهي الطرق التي يصفها بأنها الأنجع في اكتساب اللياقة التي هي في رأيه أساس النهوض بمستوى أي فريق. مشوار حتى نهاية 2005 لم تتجاوز سمعة ساري حدود إقليم توسكانا، حيث مولده وعمله، ليودع بعد ذلك زملاءه في البنك، ويقرر العمل رسمياً في مجال التدريب. وكانت أولى محطات ساري الرسمية مع فريق بسكارا الذي يلعب في كالشيو B، لكنه لم يستمر معه سوى عام واحد. وانتقل المدرب الإيطالي بعد ذلك في رحلة طويلة مع عدد من الأندية الإيطالية، حتى وصل إلى دوري الأضواء في 2012، ليتولي تدريب فريق إمبولي قبل أن يستقيل منه الموسم قبل الماضي، ويُختار أخيراً مدرباً نابولي. وطوال مشوراه التدريبي أصر ساري على أن هدفه من ولوج المنطقة الفنية للأندية لم يكن من أجل المال بقدر ما كان شغفاً بالغاً بالمهنة الجديدة «هدفي الحقيقي هو ممارسة شغفي الدائم، وهو القرب من عالم الكرة، ومساعدة عدد من الأندية في الارتقاء بمستواها الفني»، وبالفعل يبدو أن فلسفة المدرب الإيطالي أقرب إلى الحقيقة، إذا لا يتجاوز ما يتقاضاه مع نابولي حالياً حاجز 1.5 مليون يورو في العام.