الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لا يصنف نفسه كاتباً

يرى أن إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، 2016 عاماً للقراءة سيكون له أثر إيجابي وتنموي كبير في مواجهة الأفكار الهدامة والحركات التكفيرية الظلامية التي تستقطب المسطحين فكرياً، لكنه في الوقت نفسه يطالب المؤسسات والهيئات غير الثقافية بالمشاركة بفاعلية في الحدث، إنه الشاعر والناقد والناشر الإماراتي محمد عبدالله نورالدين. وأكد في حواره مع «الرؤية» أنه يجب على المبدعين إعادة النظر في نتاجهم الأدبي إذ تخاطب كتاباتهم فئات مجتمعية معينة، مبيناً أن دُور النشر لا يعنيها الكاتب، ناصحاً إياها بعدم اللهث وراء الموضة والمكاسب المادية والعمل على رفد الساحة الثقافية بإصدارات متنوعة. ويصنف نورالدين نفسه مهتماً بالأدب والنقد والشعر، لا كاتباً كما يدعي بعض المبتدئين الذين انقرض منهم الكثير وزالت فقاعات شهرتهم التي لم تستند إلى أساس ثقافي متين. وأوضح أن الثقافة لم تعد حكراً على النخبة وأهل الاختصاص، ومن يظن أنه نضج واكتملت رؤيته الفكرية والمعرفية كالذي يحفر قبره بقلمه، مشيراً إلى أن الزمن كفيل بكشف أدعياء الكتابة وفقاعات الشهرة والتفرقة بين الغث والسمين. وأفاد الشاعر والناقد بأننا نفتقر محلياً إلى صناعة نشر حقيقية والتأسيس لأجيال قارئة، ولكن في المقابل ما زال الكتاب الورقي متصدراً المشهد ومتفوقاً على الإلكتروني. .. وتالياً نص الحوار: * لماذا لم تلقب نفسك شاعراً أو ناقداً؟ - أعتقد أن التجربة الأدبية تكتمل مع رحيل الشخص عن الحياة ويُترك التقييم للجمهور، وطالما ما زال الشخص يقرأ ويستزيد ويستفيد من علم الآخرين يوماً بعد يوم فهو مبتدئ من وجهة نظري. ومن يظن أنه نضج أو اكتفى بما تعلمه وتلقاه عن الآخرين فلم ولن يتعلم أو يتقدم قيد أنمله. * لكن هناك من يلقبون أنفسهم شعراء وأدباء من إصدارهم الأول. - بالتأكيد من يرى نفسه كبيراً ويغتر بها يحفر قبره بقلمه، فمن يريد أن يقضي على نفسه عليه بالغرور، ومن يريد الاستمرارية والتطور وإثبات نفسه فلا بد أن يعتبر نفسه مبتدئاً دائماً. * في رأيك، ما ذا ينقص الشعراء المبتدئين؟ - مخارج الشعراء والأدباء لن تكون قوية إلا إذا كانت المداخل مماثلة، إذ لا بد من البحث في هذا العالم الواسع متعدد الثقافات والتزود والتسلح بالعلم والمعرفة والأدب، فكلما كان مخزونه كبيراً استطاع استنطاق مفرداته الحقيقية، ولا بد من أن يطوروا أنفسهم. * لكن منهم من يُكابر ويطلق على نفسه كاتباً مخضرماً. - الطريق ما زالت طويلة على من مرت عليه 40 عاماً، فما بالك بمن لم تمر عليه أربعة أعوام، لكن الغرور موجود. ومن يود تقديم نفسه إلى الآخرين يجب أن يبرزها بأفضل صورة، ويتماهى للوصول إلى قمة الزينة والشكل المبهر الذي يتطلب عادة التكبر وإعطاء نفسه قيمة أكبر من الحقيقية، ولكن الزمن كفيل بكشف الناس على قدرهم وحجمهم الطبيعي، وثمة كثيرون انقرضوا واختفوا كالفقاعات لأنهم افتقروا إلى الأساس الثقافي السليم. * كيف ترى نتاج الساحة الأدبية حالياً من ناحية الكم والكيف؟ - في رأيي الكم جيد، قياساً على التعداد السكاني في الدولة، أما الكيف فضعيف من ناحية، وضعيف جداً من جهة أخرى. * ما فلسفتك في تقدير الضعيف جيداً؟ - المتلقي اليوم ليس متلقياً نوعياً ولا يحب الأنواع الأدبية المعقدة الدسمة التي تشبع ذاته، وإن وجدت هذه النوعية فقليلة جداً. أما عامة الجمهور فأصبحوا متلقين ولم تعد الثقافة حكراً على النخبة أو أهل الاختصاص، وهذا من وجهة نظري ما يبشر بالخير. * هل النتاجات الأدبية المطروحة محدودة المستوى؟ - الكتاب الذين يكتبون اليوم لعامة الناس نصاً أدبياً أو غير أدبي هم من سينجحون مستقبلاً، صحيح أن نصوصهم اليوم ليست بالمستوى المطلوب من وجهة نظر النخبويين، لكن المستقبل لهم، خصوصاً الشباب الذين يكتبون للشباب. * ولكن هل تجد كتاباتهم ترحيباً من دور النشر؟ - دُور النشر لا تنظر للكاتب بقدر ما تنظر للسوق، فطالما مؤلفه يستهدف فئة وشريحة معينة فلن تجد أي دار نشر غضاضة في النشر له. لكن المشكلة ليست في دور النشر، بل في المتلقين الذين لا يقبلون على شراء الكتاب، على الرغم من أن ثمنه معقول. * كيف يمكن تلافي هذه المعضلة؟ - لا توجد لدينا صناعة نشر، والموجود منها لا يضيف شيئاً، لكننا نحتاج إلى صناعة نشر حقيقية، إلى جانب التأسيس لأجيال قارئة. * هل الكتاب الإلكتروني وسيلة للوصول إلى القارئ بسهولة؟ - ليس الكتاب الإلكتروني فقط، فقراء الورقي يمثلون نحو 95 في المئة، ومن الصعب على القارئ الإلكتروني مطالعة كتاب من 100 صفحة، فالكتّاب يطرحون إصداراتهم ورقياً وإلكترونياً لكن الورقي ما زال متسيداً. * كيف ترى اهتمام الشعراء الجدد بتنمية قدراتهم ومخزونهم الثقافي؟ - حسب ما رأيت باعتباري محاضراً في أكاديمية الشعر هناك اهتمام كبير من الشعراء الجدد بالنهل من معين ذوي الخبرة، عبر حضور ورش العمل والملتقيات والندوات الشعرية، إلا أن المردود لن يظهر حالياً. * ما الأسلوب الذي ينقصنا لتنمية الساحة الثقافية؟ - إذا استطعنا تغيير أسلوب حياة الأطفال وتوجيههم للاهتمام بالقراءة والثقافة سنغير دفة المستقبل كاملاً وليس الساحة الثقافية فقط. * أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، 2016 عاماً للقراءة، ما أثر ذلك في الساحة؟ - بكل تأكيد سيكون له أثر إيجابي وتنموي كبير في التلاقي والتلاقح الثقافي مع الآخرين والتثقيف والتنوير، ومواجهة الأفكار الهدامة والحركات التكفيرية الظلامية التي تستقطب المسطحين والمغلوطين فكرياً، فالقراءة تفتح الفكر وتنمي العقل والمدارك، ولا بد من قراءة أفكار الآخرين لتفادي مخاطرهم والتعامل معها بوعي. * ما دور المثقفين في عام القراءة؟ - أرى أن الدور ليس مقتصراً على المثقفين، بل كل أب في بيته له دور، وإن كان للمثقفين دور فللبيت النصيب الأكبر، وما يجب على المثقفين فعله هو إعادة النظر في منتجهم الأدبي، إذ لم تعد كتاباتهم تخاطب فئات بعينها، بل جميع شرائح المجتمع، ولا بد من ترك الفئوية وإنتاج مؤلفات تستهدف الجميع. * ماذا على دور النشر؟ - عليها تشجيع الأعمال الجيدة وعدم التخوف منها، والمغامرة بالأعمال الجديرة حتى لو كان مؤلفها مبتدئاً، وعدم اللهث وراء الموضة أو المكاسب المادية، إذ يجب عليهم نشر الكتاب حتى ولو كان عائده المادي والثقافي بعد 20 عاماً. * أين دور المؤسسات الثقافية؟ - الأمر ليس مقتصراً على الجهات المعنية بالثقافة فقط، فهي تلعب دورها دائماً، لكن على المؤسسات التجارية غير المعنية بالثقافة أن يكون لها دور بارز في هذا المجال، وعلى الآخرين أن يشاركوا بدورهم في تثقيف المجتمع. * من تقصد بالآخرين؟ - الشركات والمؤسسات الخدمية المجتمعية، سواء كانت صناعية أو بترولية أو سياحية أو طبية، إذ إن صناعة النشر تبنى اليوم على الرعاية والتسويق، فما المانع من أن تغلف برامج ومناشط هذه الشركات بطابع تثقيفي حتى ولو عن طريق مجالها ولموظفيها ومراجعيها؟ * كيف يمكنهم تحقيق ذلك؟ - على سبيل المثال، المستشفيات مملوءة بساحات الانتظار ويتردد عليها المئات يومياً، ويمكن استثمار هذه الأماكن لتكون منابر تثقيفية في المجال الطبي، وطباعة كتب تناسب كل جناح وتخصصه. ولو نظرنا إلى الشركات السياحية فمن يعملون فيها أدرى بما يجب أن يُكتب ويسوّق لكل منطقة، إذ يجب تنمية هذا بالشراكة وليس الرعاية. * ما دور المدارس؟ - يجب على المدارس أن تنشئ شراكات عملية أدبية مع دور النشر، بل يجب عليها تشجيع التلاميذ على الكتابة وجعلهم مصدرين للفكر ومستقبلين للمعارف، ما يخلق وينمي الإبداع لديهم، حتى ولو كانت إبداعاتهم ضعيفة كماً وكيفاً، إلا أن ذلك ينعش روح الابتكار والإبداع في نفوسهم منذ الصغر.