الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لستُ مُفتية

تعمدتُ كتابة العنوان بهذه الصياغة، كي لا ينبري أحدهم ليُحاسبني على ما سأكتبه في بطن هذا المقال، ولكني هنا سأكتب فلسفتي الخاصة، فلا تحملوا وجهات النظر على محمل الفتاوى والدليل، سأوُرد قصة حقيقية دارت قبل سنوات لأحد طلاب العلم المجتهدين، ذات يوم ركب مع صاحبه سيارته ليوصله إلى أحد مجالس العلم وهو ذاهب في طريقه إلى المقهى، وإذ بأسطوانة الغناء تدور في جهاز التسجيل بسيارته وتُردد: «يا أمي يا أم الوفاء، يا طيب من الجنة، تعلمت الصبر منك يا يمه، الهوا.. إنتِ الهوا وأحتاج أشمه..». تذكر أن تفانيه في طلب العلم طغى على أولوية مهمة في حياته، فقد أشغله عن أرحامه والسؤال عن أحب إنسانة على قلبه، فبكى، رفع سماعة هاتفه وتحدّث إليها، وقرر من تلك اللحظة أن يتصل بها أسبوعياً للاطمئنان عليها والسؤال عن حالها. يقول الجاحظ في اختلاف نظرة الأمم قديماً للموسيقى إن فارس كانت تعد الغناء أدباً، والروم تعدّه فلسفة. بعض أنواع الغناء أرى أنه من المُحرّم تحريمه، وهو الغناء الهادف الذي يمتزج مع إنسانيتنا ويُوقظها، يُداعب النقاء بداخلها ويستخرج النُبل المُتدثر غبار الغجرية في قيعان نفوسنا، الذي يُلهمنا أولوياتنا وقيمنا. وأتساءل في ختام المقال حتى متى ستظل الكثير من الجهات الدينية تنظر إلى الموسيقى والغناء ككتلة واحدة، ألم يئن الأوان لتقسيمها إلى فئات، بعضها مُحرّم وبعضها مُباح، وخلق منطقة وسطى بين التحريم والتحليل، ومنح الصوت الذي يُحاكي دواخلنا ويُلهمنا مساحة معقولة مُباحة؟ [email protected]