الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بالعدل تأتي الوسطية الراشدة

منذ اللحظات الأولى من الدعوة رفع الإسلام شعار المساواة وحق العدالة للجميع، لأنّ العدل هو ميزان الله على الأرض، والدّيانات كلها جاءت لتقضي على الظلم والجور بكلّ أشكاله، لهذا بعث الله النّبيين مبشّرين ومنذرين، وأنزل معهم ميزان العدل، كما أرسل لهم الشّريعة أو النظام الذي يحكم بين العباد ليقوم الناس بالقسط، فإذا بسط العدل في أي بلد كان، فثم دين الله القويم، ومنهجه السديد. العدل يرمي إلى المساواة بين النّاس وإعطاء الحقوق دون تفرقة بين النّاس بسبب لون أو نسب أو مال أو جاه، لأن أساس العدل هو تأصيل الوحدة الإنسانية وعدم التفريق بين لون وجنس إلا بالعمل الصالح والتقوى، ومن مقوّمات العدل إنصاف المظلوم والمكلوم والمقهور حفاظاً على المجتمع من الفوضى العارمة وانتشار الظلم والفساد والبغي كما قال تعالى بأن الكتاب والميزان هو المقياس «وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ». لقد كان غياب العدالة في بعض المجتمعات المسلمة مدعاة للظلم والجور بحق الشعوب وإهدار حقوق الفرد، ما تسبّب مع الوقت في حالة من الاحتقان داخل المجتمع ما ولّد الكراهية والبغضاء، وبات هذا المناخ مجالاً خصباً للتطرّف والتعصّب والانحدار الأخلاقي وانتشار الجرائم. إنّ الإصلاح الذي يُوجبه علينا ديننا يأتي بالأساس من تفعيل القيم داخل الأوطان الذي يبدأ في الأساس بإقامة العدل وإرساء قواعده، ومن ثم تأتي الوسطية والسماحة تباعاً، ولو تبصرنا كثيراً من الآيات القرآنية وإشاراتها عن مكانة العدل والمساواة والتحذير من الظلم ومآلاته في سياق القصص التي تؤكّد أن العاقبة للمتقين، لوصلنا إلى نتيجة مفادها أنّه لا أمان أو استقرار لأهل الأرض إلا بإقامة العدل، والدليل على ذلك المقابلة بين رفع السماء ووضع الميزان، كما اقتضى شرط العدل في الحكم، وأمر سبحانه وتعالى عباده بالعدل والإحسان، وحث على العدل في القول من صاحب مودَّة أو شنآنٍ، ولو كان ذا قربى، سواء كان في المعاملات بين الناس بواسطة الكلام أو في الشهادة والقضاء.. الخ. وجعل من يأمر بالعدل والصواب بأنّه على صراط مستقيم، وأمر به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم مع الأعداء والمخالفين «وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ». ويتهدّد مفهوم الوسطيّة بسيادة الظلم في أيّ مكان، وانتفاء العدل في الأوطان، لأنّ عوائق القهر والظلم تبعث الشقاء وتجلب التعاسة، وأنفى للاستقرار بين الأفراد والجماعات، حيث يعدّ مفهوم العدل لغويّاً: هو الوسط بين الإفراط والتفريط والاعتدال في الأمور، أينما وجدت العدالة وبسطت بين العباد تخلق تلقائيّاً نوعاً من الوسطية الراشدة، بأنّ العدل والوسطية متلازمان، كلاهما يتمّم الآخر. وإذا أردت أن تنظر إلى تمدّن الأمم ومدى تأثيرها في السيرورة التاريخية للحضارات انظر إلى مكانة المرأة واحترامها وتقديرها، ومن ثم انظر إلى مدى تطبيق واحترام قيم العدالة، وما يمثله من خلفيات ومعانٍ أخلاقية وإنسانية يتجلى أثرها في المجتمعات المسلمة التي استطاعت أن تمرّر دور الفكرة الدينية العادلة والمتسامحة، وتأثيرها في المستقبل، تلك النوعية من الثقافة هي عبارة عن تربية على تراث ديني غني بإنسانيته ومعتدل بقيمه. فالأمّة العادلة هي التي تستحق هذه الخيريّة التي وصف اللَّه بها أمة الإسلام أن تكون أمة وسطاً، هي وحدها القادرة على انتشال المجتمع من براثن الغلو والتشدد والإرهاب، وهي ميزة ميز الله بها أمّة الإسلام وجعلها خير أمة أخرجت للناس، ومجتمع الإمارات أنموذج لذلك، فهناك دور كبير تقوم به دولة الإمارات لتحقّق العدل بين النّاس، عبر إحقاق الحق وتكافؤ الفرص بين جميع الأفراد وإعطاء كلّ شخص حقّه، وتهدف العدالة الاجتماعية إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات الأفراد، كما يُمَكَّن صاحب الحقِّ من الوصول إلى حَقِّه من أقرب الطرق وأيسرها من خلال قانون عادل لا يجحف ولا يبخس الناس أشياءهم، فعكست الإمارات بكلّ هذه الإنجازات صورة الإسلام الوسطي من خلال إرساء مفهوم العدل في الأرجاء «فضاء الشأن العام» حيث يغدو هذا الوطن حتماً أمل المجتمعات المسلمة كلّها في الإخاء والتعايش والتسامح، الذي قد يؤثر في تعديل التاريخ المعاصر وتوجيهه. [email protected]