الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

عبد وحكيم وعبيط

يحكى أن عبداً مملوكاً كثير الشكوى عمّا يناله من أذى سيده الذي لا يرحمه؛ صادف أن التقى حكيماً، بثّه لواعج نفسه الكسيرة، وأخبره عن العذاب المتواصل ليل نهار، عن القسوة والضيم اللذين لا يحتملان، عن كثرة العمل والسياط، وقلة الاحترام والزاد. والحكيم يواسيه بكلمات التعاطف والشفقة، ثم صدّر له حكمته: لا بدّ أن تتحسن الأمور. فارتاح العبد للحكمة الصادقة، وقال «إني أشعر بالتحسن بعد مواساتك لي وتعاطفك معي، وهذا يدل على أن العدل ما زال يأخذ في العالم مجراه». وصادف أن التقى العبد نفسه أبلها وكعادته: قابله بالشكوى وحاله المريرة وعن سكنه القذر في كوخ وضيع تحت الأرض كأنه قبر، وعن البق الذي ينهش جسده وعن الاختناق الذي يضيق صدره، وكيف أنه بلا نافذة ترد الروح. والأهبل يستمع مستنكراً صمته طوال هذه السنين، ويستغرب أنه لم يطلب من سيده أن يفتح له نافذة، ولأنه أهبل سحب العبد من يده باتجاه السكن وراح يحفر له نافذة، ويريه كيف أن الأمر سهل وبيده وحده الحل. هذه قصة للكاتب (جون لاوسن)، ترجمها الأستاذ مختار السيوفي عن الإنجليزية. تطرح نماذج متباينة لشخصيات متفاوتة الإدراك العقلي، والقوة الذهنية. الحكيم استلهم منابع الحكمة وقدّم تعاطفه كلمات. والأهبل تصرف بلا رادع اجتماعي ولا عقلي، واتجه نحو الفعل مباشرة، أما العبد الذي لا يفقه إلا فن الشكوى مرصعة بالرضوخ، فلم يجد بدّاً من اللطم والعويل «الحقوني لص يهدم البيت». اجتمع العبيد وطردوا الأهبل. أما السيد فقد مدح العبد على شجاعته وطرده اللص، وابتسم مستحسناً فعله. عندها شعر العبد بأن الأمور تحسنت فعلًا، وأن سيده راضٍ عنه، وتذكر كلمات الحكيم، ونظرته الصائبة .. لا بدّ أن تتحسن الأمور. [email protected]