السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

رمضان موسم المتَّقين

إذا كانت هناك أقوالٌ مضيئة، وكلماتٌ مأثورة ينطق بها العلماء، وتجري على ألسنة الحكماء والأدباء، تُبيِّن فضل الهمة، وترفع من قدرها، وتعلي من شأنها، ففي القرآن كلمات تحفّزنا وتلهمنا وتدفعنا وتضاعف طاقتنا وحماسنا، فأنت تستلهم من هذا النور القرآني مصدراً من الطاقة النورانيّة لكي تجعلنا ننجز ونعمل. وكثير من الإيحاءات في كتابه الكريم تستنهض الهمم، وتكرارها في أكثر من موقف في سور القرآن يدل على تأكيد عظيم فضلها مثل «سابقوا، سارعوا، وتزودوا، فليتنافس المتنافسون». يراد بهذه الكمات المضيئة أن تضبط إيقاع الحياة للمسلم وتعينه على حُسن استغلال وقته، لأن كثرة اللهو تسبّب الغفلة، فهذه الكلمات تعدّ من أروع الأمثلة على اغتنام دقائق العمر، واستغلال أنفاسه في طاعته، والإنسان يمارس فعل المسارعة والتزوّد والتنافس في عبادته وأعماله الصالحة، لأن هناك مساحة واسعة يستطيع أن يملأها من الخيرات وفضائل الأعمال، وشهر رمضان بمنزلة فرصة عظيمة من عمر الزمن، حيث لا يبلغها إلا قلّة من أرباب الخير. فيه تصفو القلوب، وتسمو النفوس، وترقى الأرواح، وهناك طريقان: إمّا استثمار الآخرة، وإمّا طمع في الدنيا. هناك عوائق في العلاقة مع الله نحاول التخلص منها في هذه الأيام المباركة التي نحاول أن نتعاهد قلوبنا فيها حتى لا يعكرّ صفو إيماننا شيء. فعلى سبيل المثال: فتور الهمم، عدم الاكتراث لمواسم الخير، والتسويف، وكما يقال «والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه». والأسباب كثيرة أهمها إهدار الأوقات في سفاسف الأمور، وتكاد في هذا الزمن تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها، والسبيل الوحيد التعلّق بمعالي الأمور وترك سفاسفها، وتربية النفس على علوّ الهمة والارتقاء بالغايات النبيلة، وطلب المراتب السامية. فالقرآن يستثيرنا في أكثر من موضع كي ننشد كل الأهداف الخيرة التي تعطينا معنى أكبر للحياة أو تجعلنا نتحدّى الزمن لتحقيقها، وتدفعنا إلى أن نتساءل بعمق: ما الأعمال التي سنضع لها أولوية قصوى خلال هذه المدة التي نحياها في هذه الأيام الخيّرة لكي نهيّئ أنفسنا إلى ما بعدها؟ فالمؤمن يُسارع ويُسابق ويتزوّد ويتنافس من أجل الجنّة والمغفرة، وهي من معالي الأمور، لِيَشفى من هذه الأمراض المعنوية والعادات السيئة التي لا تشفى من أسقامها إلا بطاعة الله تعالى والإقبال عليه في هذه الأيام المباركة التي يضاعف فيها الأجور ويتقبل فيها التوبة من عباده التائبين. وخير ما يتزين به العبد من لباس ٍ لباس التقوى وهو الأخلاق الظاهرية والخشية في العلن، وأفضل ما يتزود به العباد في هذه الدنيا الأخلاق القلبية والخشية في السر، كما قال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى». لهذا كان الهدف الأسمى في رمضان لكي تترقى نفوسنا طواعية إلى منزلة إيمانية رفيعة «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون»، لهذا قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «..إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي»، من حيث أثر عبادة الصوم في تزكية النفس عموماً، فإن الصيام يرفعك إلى منزلة ترتقي بأخلاق المتّقين، حتى نأخذ أعلى درجات الإتقان للصيام من خلال تطهير النفس من أمراضها القلبية وأخلاقها السيّئة، ومَن لم يستطع تغيير عاداته السيّئة في رمضان فهو في غير رمضان أصعب أن يُفلح. ألا ما أحوج أمّتنا إلى أن تستنير من هذا الشهر الفضيل وتحصد الجوائز والمنح الجزيلة، أما آن أوان أن نزيح هذه العقبات ونتقدّم؟ العقبات هي الأشياء التي يراها الإنسان عندما يحوّل عينيه عن هدفه، والعلاج الناجع هو مضاعفة فاعليته وتحويل قدراته إلى الهدف المنشود وهو ابتغاء فضل الله ورضوانه. [email protected]