السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الرسالة غير المكتملة

عندي رغبة غريبة، لكتابة رسائل إلى ابنتي التي لن ألدها، أود أن أخبرها عن العالم الآن، أود أن أوصيها بالحذر فقط، من كل شيء، ومن كل أحد، أن أحذرها من العلاقات الإنسانية المؤذية، التي تعرضت لها، ألا تحب، وإن أحبت ألا تتخلى عن شعورها مهما بدا لها من الطرف الآخر من «تهليك» مقصود. كنت بدأت هذا الأمر منذ سنتين تقريباً، بدأت الرسالة الأولى ولم أكملها حتى الآن، الغريب أنني كتبتها في مكانٍ يضج بالفرح والحياة، في باحة الروضة التي كان يرتادها ابن أخي، في سنته الأولى، كان المكان هادئاً، وتخيلت أن لي بنتاً فيه، وفتحت كراستي الحمراء القديمة، وبدأت بالانفصال عن المكان خيالاً، والكتابة، كل الكلمات كانت سوداء على الرغم من زرقة الحبر، لم أكن أتنفس على الورقة، كنت أنفث عفن السنين، والتجارب القاسية فقط، ربما لأجل ذلك لم أكملها، وربما لأنني لم أعد إلى ذات المكان الذي بدأتها فيه مرة أخرى. كيف يمكن أن أتخيل المستقبل بتفاؤل والحياة الحالية والحياة السابقة لم تكن توحي به، ولم تترك له مجالاً في قلبي، أنا أفعل، لدي تفاؤلي الخاص بطريقتي الخاصة، ولكنه تفاؤل مقنن، وربما خدعة لتجنب اليأس فقط، أتخيل كيف سيعيش أطفالنا مستقبلاً، هل سيكون العالم أكثر أمناً، هل سينتهي عصر داعش الأغبر هذا؟ أم أنه سيخلق عصابةً أشد وأطغى تجعل التفاؤل مستحيلاً؟ إلى أين سنذهب؟ هل ستظل الأرض مقاماً لنا أم أننا سننتقل إلى كواكب أخرى هرباً؟ كيف سيفكر أبناؤنا؟ وكيف ستتشكل مشاعرهم الجميلة؟ أحاول تخيل العالم المقبل الجديد، وأنا أستحضر كل هذه الصراعات المحيطة بنا، وبأفكارنا، ثم أصاب بكآبةٍ ليست مفاجئة، وأكتب ما لا يجب أن أكتبه لطفلة قد لا تأتي. إن الانسلاخ من كل ما يحدث ولو شعوريّاً غير ممكن، وإن لم نكتب كلمةً واحدةً عنه، فلا بد أن ننشغل به، ولو في حديث صغير وعابر مع العائلة أو الأصدقاء، ننشغل به ذات دعاء، ننشغل به ذات خلوة مع النفس ومحاولة فهمه، فكيف ستكون رسالتي لها؟ [email protected]