الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تطور الفكر الإنساني (1)

الفكر الإنساني ملازم للإنسان منذ حدوثه حتى يومنا هذا ولا يزال، لقد ترك ذلك الفكر آثاراً مهمّة في حياة الإنسان وتحولاته وحركته، وطوَّر أسلوب تعامله مع محيطه في مختلف الجوانب، وما ذلك إلا لأن الفكر خاصية الإنسان. ولهذا تختلف حياة الإنسان عن حياة الحيوان الجامدة، فهناك فرق واضح فقد تطورت بيوت الإنسان من كهوف إلى عمارات وناطحات سحاب، أما بيوت النحل السداسية فعلى جمالها، إلا أنها ذات أشكال ثابتة لم يكتب لها تغيير ذاتي منذ حدوثه. إن الفكر الإنساني الذي أثارته تساؤلات الإنسان عن الكون والحياة، والمبدأ والمعاد، هي أحد المحاور التي استقطبت اهتمام الإنسان من لدن آدم حتى الآن، دفعته نحو التأمل والنظر، ومن ثم الإبداع والابتكار، وتطور الفكر الإنساني في الجانب الفلسفي، وحفظ التاريخ لحكماء الفرس واليونان كثيراً من جهودهم قبل الميلاد بقرون، فسجل التاريخ من خلال مناظراتهم وتأملاتهم الفلسفية العديد من الآراء والنظريات، التي كان يسودها الاتزان تارة، والتهافت والتضارب تارة أخرى، وفي ذات الوقت النمو والثراء بفعل التلاقح الفكري الحر الذي وفر أجواء خصبة لذلك. وفي ظل هذه الظروف برزت تيارات الشك والسفسطة واحتلّت مساحة واسعة من التفكير الفلسفي، بعد أن احتل أربابها منابر التعليم والخطابة، فأفضى الشك المبالغ فيه إلى انتكاسات عندما أنكروا حقائق الأشياء ووجودها الخارجي، وانعكس ذلك على أذهان الناس فخلق بلبلة ذهنية، وشكا بكل حقيقة مهما كان طابعها، كل ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، حتى تصدى سقراط لعلاج الموقف بقوة، وتبعه أفلاطون، وتلاهما أرسطو طاليس الذي أسّس قواعد الاستدلال والتفكير الصحيح في علم المنطق، وكشف زيف السفسطة ومغالطاتها ومنزلقاتها، فعادت مياه الحقيقة إلى مجاريها، وتلاشت تيارات الشك والإنكار. وعلى هذا المنوال استمر الحال حتى بعد رحيل العمالقة الثلاثة، سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث استمر تلامذتهم في ترويج أفكارهم، فدفعوا عجلة اليقين إلى الأمام، وبمرور الزمان ضعفت مكانة هؤلاء، وتقلص دورهم وقلّت أهميتهم، حتى شُدّت الرحال إلى الإسكندرية، كمحطة جديدة لنشر أفكارهم وتداول معارفهم، واستمروا على هذا حتى القرن الرابع بعد الميلاد. [email protected]