الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

وداعاً عوشة

ما الذي يحدث حين يموت شاعر؟ التجربة تخبرنا، وما أشد قسوتها من تجربة، تخبرنا ماذا يحدث للأشياء في الكون، من أضواء، وفراشات، ونجوم، وأشجار، وفصول، وكل ما يحبه الشاعر ويبادله الحب، تخبرنا ماذا يحدث للحياة، من مرورٍ، وشعور، تخبرنا ماذا يحدث للبشر، كل البشر، من اكتمالٍ ونقص، من بقاءٍ حقيقي، من انتمائهم إلى موطن الخيال. البارحة، وما أشبه الحزن بالبارحة، حدث ما لا يحتمل حدوثه، ولكنه قضاء الرب، ولا اعتراض، إنما حزن فقد وخسارة، رفع الله إليه حبيبتنا وأمنا وأمّ الشعر، الشاعرة عوشة خليفة السويدي، فتاة العرب، فتاة الخليج، والتي لم يتبقّ بالٌ ولا قلبٌ على هذه الأرض وسواها، لم يتغنَّ بكلماتها التي لا تشابهها كلمات، لم يسهر على هذه الأرض أحد بدون أن يخطر بباله بيتها: «حد مثلي بات مشجنه، حلم طيفٍ مرّ خطّافي»، ولا وطئ أحدٌ على رمل البر بدون أن يأتي على باله بيتها، وقد هبت على وجهه النسائم: «هب شرتا لافح ترسا، من فيوي دبي نسناسه». إننا مسكونون، والكون مسكون، والحياة مسكونة بكلماتها العطرة، هذا ما حدث البارحة، تحولت صدورنا إلى مدائن أشباح، فرط خوائها الذي أدى إليه الحزن المرير، وكذا تحول الكون بكل ما فيه وخبت أضواؤه وخسفت، وكذا أصبحت الحياة، التي توقفت، كرمزٍ مكثف ومؤلم بكل ما أوتي من قوة، يشير إلى أن الشاعر روحها وريحانها، رحيله ليس فجيعة عابرة، وإنما طامة كبرى. وداعاً عوشة، وداعاً حبيبتنا وحبيبة الشعر، وداعاً أمنا وأم القصيدة، وداعاً، ستبقين في ذاكرة الجميع وذاكرة الأرض، أغنية لا يملّ لحنها، تتحرك بنسيمه السعفات، وترقص حبات الرمل مع «هبوب» الفيافي. إنّ القلوب لتدمع، والعيون ليهمي دمعها أكثر حرقة على هذا النبأ، وإن الأرواح لتسقط على ركبها من كبير حزنها، ولكن لا نقول إلا ما يرضي الربّ، إنا لله وإنا إليه راجعون. [email protected]