الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

صفقة رونالدو تكشف التفاوت الكبير بين درجات الدوري الإيطالي والكالشيو المتضرر الأكبر

يتوقع أن يجذب دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم (الكالشيو) أنظار العالم بصورة ربما لم تشهدها البطولة في العقدين الأخيرين، وذلك بعد الصفقة الضخمة التي أبرمها نادي يوفنتوس وكللت بالتعاقد مع نجم ريال مدري الإسباني كريستيانو رونالدو، المتوج بلقب أفضل لاعب في العالم العام الماضي. وفي الوقت الذي بدأ فيه الكثيرون الحديث عن الانتعاش المالي للنادي الملقب بالسيدة العجوز، بدأ عشاق أندية إيطالية عريقة مغالبة ما يمكن وصفه بالأزمة المالية الطاحنة، وعلى رأسها نادي باري الإيطالي. ويعاني نادي باري طوال الأسابيع الأخيرة قطع خدمة المياه بسبب عجزه عن دفع فاتورة قيمتها ستة آلاف يورو، وهو مبلغ ربما لا يساوي شيئاً مقابل الـ 500 ألف يورو راتب رونالدو الأسبوعي، ما يجسد التفاوت الكبير بين الأندية الإيطالية في درجاتها المختلفة. وإلى جانب باري المنتمي إلى دوري الدرجة الثانية الإيطالي، تواجه أندية كل تشيزينا من الدرجة ذاتها، وريجينا من أندية الدرجة الثالثة شبح الإفلاس، بعد إعلانها عدم مقدرتها على الحصول على رخصة مزاولة النشاط في الموسم الجديد بسبب المشاكل المالية التي تعانيها هذه الأندية. عادة ربما لن يفاجأ المتابع عن كثب لما يدور في ساحة الكرة الإيطالية في عهدها الحديث بهذه الأوضاع، فمنذ إعلان نادي فيورنتينا إفلاسه في 2002، خضع 153 نادياً لعمليات إعادة تأسيس أو اندماج مع أندية أخرى، بينما اختفى بعضها من المشهد بصورة نهائية. وجرى إبعاد ثلاثة أندية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الرابعة الصيف الجاري بسبب المشاكل المالية، على الرغم من أن أياً منها لم ينه موسمه في منطقة التهديد بالهبوط. من جهة أخرى، شهدت الملاعب الإيطالية تعايش أندية مع مثل هذه الأوضاع لتعود بصورة أو بأخرى، وتتقدم في مستويات الدوري لتعلن عودتها إلى الحياة، بل إن بعضها نجح فعلياً في تحقيق طفرة هائلة أنست جماهيره مرارات وأزمات الماضي. وعلى سبيل المثال، شهد نادي نابولي عملية إعادة تأسيس في العام 2004، وفي الموسم الماضي كان قريباً من الفوز بلقب بطولة دوري الدرجة الأولى الإيطالي (الكالشيو)، بينما عاد بارما إلى أندية النخبة ضمن (الكالشيو) في مايو الماضي بعد ثلاثة مواسم فقط من إفلاسه وعملية إعادة التأسيس الثالثة في تاريخه. وعلى الرغم من تصنيف الكثيرين هذا الأمر في الخانة الإيجابية للأندية الإيطالية وإثارة الكالشيو، فإن هذه تعد نماذج محدودة، لجهة أن تدهور الأوضاع المالية للأندية يؤثر سلباً ولفترة طويلة في النادي، حتى في حال عودته إلى دوري الأولى يكون ذلك بطموحات قصيرة المدى، ما ينعكس سلباً على قوة المنافسة الإيطالية الأولى. تدهور أحياناً لا تمر مثل هذه الأوضاع على الأندية بسهولة، لتضع الجماهير أمام تجارب طويلة ومريرة، وهو ما يتوقع أن يحدث في حالات مثل التي تواجه باري للمرة الأولى منذ تأسيسه في 1908، أو تشيزينا الذي يلعب ضمن الأندية المحترفة منذ 1940، ما يعني أن تاريخ 188 عاماً من كرة القدم معرض للمسح بجرة قلم. وبالنسبة لباري، كانت بداية عهد التراجع في 2004، عندما تخلت عنه عائلة ماتاريس لمصلحة مجموعة يترأسها الحكم السابق جيانلوكا باباريستا، مقابل 4.8 مليون يورو، مع ديون مرهقة للنادي قيمتها 30 مليون يورو. وفي 2016 بدا أن باباريستا المولود في باري، قد وجد مستثمراً ثرياً يضخ الدماء الجديدة في الفريق، بعد موافقة رجل الأعمال الماليزي نور الدين أحمد على شراء 50 في المئة من أسهم النادي، بينما جرى الإعلان عن تعيين رجل الأعمال المحلي كوزمو جيانكاسبرو صاحب خمسة في المئة من أسهم باري رئيساً للنادي. لكن عملية إعادة التطوير تعثرت في النهاية بشراء جيانكاسبو لأسهم باباريستا واختفاء رجل الأعمال الماليزي عن الصورة، لتسوء الأوضاع بتوقف مشروع تطوير ملعب «سان نيكولا» بعد رفض محافظ باري أنطونيو ديكارو إجازة توفير أي تمويل من أموال ضرائب المنطقة. وفي يناير 2018 تسربت أخبار عن عدم الإيفاء بأجور اللاعبين، ما عرض النادي لعقوبات مكتب الضرائب، وفي مارس تأكد أن النادي يرزح تحت وطأة ديون تبلغ 16 مليون يورو. ومع عدم وجود أصول تكفي للحصول على تمويل، كان التأهل لأندية الدرجة الأولى هو الطريق الوحيد للنجاة من الأزمة، لكن وعلى الرغم من بلوغ الفريق مرحلة المواجهة التأهيلية غير أن خصم نقطتين بسبب خرق القوانين المالية حرم الفريق من الصعود. صدمة في ظل تزايد سوء الأوضاع تعرضت خدمة المياه في ملعب نادي باري للقطع بسبب عدم التمكن من دفع فاتورة بلغت قيمتها ستة آلاف يورو، في الوقت الذي تعاني فيه إدارة النادي لتوفير خمسة ملايين يورو لدفع الأجور ومستحقات التقاعد ورسوم المشاركة في الموسم الجديد من دوري الدرجة الثانية. وكانت الأعوام القليلة الماضية من أصعب الفترات على جماهير باري، والتي واجهت العديد من المشاكل، منها ما يتعلق بالملعب وعدم الاستقرار الذي يحيط باللاعبين والمدربين، بجانب الارتفاع في تكلفة تذاكر دخول المباريات في حقبة جيانكاسبرو. ولم يتمكن النادي، الذي حشد أكثر من 50 ألف متفرج لملعبه في المواجهة الفاصلة التأهيلية في دوري الدرجة الثانية عام 2014، سوى من بيع 20 ألف تذكرة لمواجهة مماثلة في 2016. وبعد حدوث الكارثة في الأسبوع الماضي، بالإعلان عن إفلاس النادي ومن ثم هبوطه إلى دوري الدرجة الرابعة، أعلن محافظ المنطقة أنطونيو ديكارو أنه «يوم هزيمة، وهو يؤلم ألف مرة من الهزيمة على أرض الملعب». أمل ربما لا تكون هذه هي النهاية بالنسبة لنادي باري العريق، فقد بدأت يوم الجمعة الماضي عملية إعادة تأهيل باري التي أعلنها محافظ المنطقة أمام حشد من جمهور الفريق، في ملعب النادي القديم «ديلا فيتورا» والذي يتوقع أن تعود إليه مباريات الفريق. وطلب المحافظ من سلطات كرة القدم منح فريق المدينة فرصة المنافسة في دوري الدرجة الثالثة بحكم الإرث التاريخي للنادي، وهو ما يستبعده مراقبون بعد عدم تمكن إدارة باري من توفير المتطلبات المالية للمشاركة في الموسم الجديد وانتهاء فترة السماح المحددة بدون التوصل إلى حلول. وقال مارك نيال الذي ظل يشجع النادي لـ 35 عاماً «الجميع قابل القرار في صمت حزين، ورأيت آلاف المشجعين يبكون مباشرة مع انتهاء المدة المحددة بلا حلول». لكن ومع الحقبة الجديدة التي يتوقع أن تنعش كرة القدم الإيطالية، في ظل الخطط الطموحة التي تتبناها أندية مثل يوفنتوس انطلاقاً من صفقة النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، فإن أندية مثل باري وتشيزينا تأمل أن تتبع تجارب مثل التي خاضتها أندية نابولي وفيورنتينا، والتي عادت إلى القمة بعد معاناة مماثلة، أما ريجينا فيسعى على الأقل إلى تجنب الأخطاء التي عايشتها إدارة النادي بعد آخر عملية إعادة تأسيس في 2005.