الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«لا تخليني أفطر عليك»

كنت قد اتخذت قراراً جاداً قبل حلول شهر رمضان الكريم بأنني لن أتواصل مع الأفكار السوداوية التي يبثها الإعلام أو الذين من حولي، لن أكون سلة تحوي كل ما يلقى فيها، لن أتفاعل مع المنتج الفكري الذي يتصدر المشهد، وإرغام الناس على تصديقه، سأتصدى لكل الهجمات التي تجعل العقل الباطن يصدق بأن الصيام يمكن أن يجعلني في مزاج عصبي، حتى لو كان يعني أول الأيام، أو عدم القدرة على التركيز، أو التصور بأنني ربما سأستخدم العبارة التي تتكرر في مجتمعاتنا الخليجية «لا تخليني أفطر عليك» بوصفها تعبيراً عن المزاج السيئ للصائم. حينما يتحول محيطك إلى طاقة إيجابية، ويكثر فيها الحديث عن فضائل هذا الشهر، من دون التركيز على الأمور السلبية، فستجد عقلك يستجيب سريعاً نحو تقبل هذه الطاقة المذهلة، وستضيء كل الردهات المعتمة داخلك، وماذا يعني أن تمتنع عن الطعام والشراب لساعات محددة؟ إنه لأمر جميل أن تعيد تشكيل وتأطير عقلك وروحك في كل عام، وأن تُجبر عن الامتناع عن الطعام، وخصوصاً أنك مدرك تماماً أن هذا الامتناع تعقبه مائدة سلطانية من أشهى الطعام. ثلاثون يوماً أو أقل يمكن من خلالها أن تحول حياتك إلى جنة من الطمأنينة والهدوء واستحضار القيمة والفائدة من الصيام. إن كل ما نحتاج إليه في حياتنا، وليس فقط في شهر رمضان، خلق الوعي السليم بداخلنا، إدراك الجمال أكثر من إدراك ما هو قبيح في هذه الحياة، الوعي بمضمون السعادة بدلاً من التفكير القاتم بالغد والموت، حسن التعامل مع متقلبات الحياة، قبول الصعود والهبوط. لقد سدد الناس هدفاً سيئاً في عقول بعضهم البعض، يتناقلون بعض الحكايات التي تدلل على أن ما يحدث من عصبية وفقدان الضبط الداخلي سببه الصيام، وما يفعله البعض أنهم يصدقون ذلك، يستجيب العقل لهذه الأوهام، يتمدد مع الإيحاء الذاتي العميق، وكل ما نحتاج إليه تكثيف الدخول إلى العمق، السباحة طويلاً لاكتشاف الغرف المظلمة، التعرف إلى معنى الهدوء والسكون، والأجمل هو أن تمتنع تماماً عن تداول الأفكار السليبة ومنعها من النفوذ نحو الداخل. [email protected]