الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

رشى وانتهاك حقوق إنسان .. تجاوزات قطر المتكررة تثير مخاوف العالم حول مونديال 2022

لا تكاد قطر تنفك من أزمة من أزماتها المتشابكة حتى تسقط في أخرى أكبر دوياً منها، تعكّر إجمالاً صفو سمعتها الخارجية، وتجر عليها وابلاً من السخط الدولي، يكاد في كثير من الأحيان أن يعصف بها. وبعيداً عن التخبطات السياسية المزلزلة، لم تبتعد قطر يوماً عن واجهة الأحداث الرياضية الملتهبة والمثيرة للجدل، منذ فوزها بحق تنظيم مونديال 2022 على حساب الولايات المتحدة في 2010، وما صاحب ذلك الفوز من ردود أفعال عنيفة أحدثت انقساماً في الوسط الرياضي قل مثيله. وتصدرت قطر افتتاحيات صحف رياضية عالمية كبرى، وكانت في كثير من الأحيان مادة دسمة لعشاق الصحافة الاستقصائية، نظراً لما يحمله ملفها من قصص شديدة الغموض، لا تمنع الأكثر براءة منها من التشكك في وجود أمر ما خلف الكواليس مهد الطريق للإمارة كي تفوز بتنظيم المونديال. وشكل الزلزال الكبير الذي ضرب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في مايو 2015، والمتمثل في توقيف عدد من أعضاء فيفا بتهم تتعلق بالرشى وتبييض أموال، وكذا شراء وبيع أصوات لمنح حق تنظيم المونديال، ضربة قاصمة الظهر لقطر، إذ واجهت حملة شرسة من جميع وسائل الإعلام العالمية. ونبشت الأحداث المتأزمة في فيفا الكثير من الملفات السوداء في أفق إمبراطورية رئيسه السويسري الموقوف جوزيف بلاتر وحاشيته، وطالت بشكل مباشر مونديالي 2018 في روسيا و2022 في قطر، كما أعادت الجدل إجمالاً إلى تقرير المحامي الأمريكي مايكل غارسيا الذي أجراه في يوليو 2012 إلى سبتمبر 2014، وخلص فيه إلى وجود شبهة فساد ورشى تتعلق بمنح المونديالين. وظل التقرير المكون من 350 صفحة حبيس أدراج فيفا، على الرغم من المطالبات المتعددة بكشف الحقائق أمام الرأى العالمي وتمكين الشارع الرياضي من معرفة حقائق ما جرى في كواليس منح الصفقتين. وكان الانعكاس الأكبر للأزمة هو تحرر الكثير من الأعضاء، وإدلائهم بشهاداتهم بجرأة على عصر الظلام والفساد في فيفا، بعد زوال إمبراطورية بلاتر في الثاني من يونيو 2015. اتهام لم يتوقف نبش حقائق فيفا على الأعضاء والناشطين فقط، وإنما امتد إلى عراب أكبر مؤسسة رياضية في العالم جوزيف بلاتر، الذي قرر في لحظة من صفاء ضمير وأيضاً بعد فقدانه الأمل في كل شيء (تلطخت سمعته بفضائح الفساد، وأوقفته لجنة القيم مع الفرنسي بلاتيني لثمانية أعوام، خفضت لست فيما بعد) الحديث عن جميع ما دار في حقبته. وبدأ بلاتر البالغ من العمر (81 عاماً) بذراعه الأيمن وكاتم أسراره الفرنسي ميشيل بلاتيني، متهماً إياه بتضليله وتمهيده الطريق لفوز إمارة قطر بتنظيم مونديال 2022. ونالت قطر حق تنظيم المونديال في الثاني من ديسمبر 2010 على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد فوزها بـ 14 صوتاً مقابل ثمانية لأمريكا هي مجموع أصوات تنفيذية فيفا التي يحق لها اختيار البلد المنظم. وأكد بلاتر أن فوز قطر كان مفاجئاً، مشيراً إلى حدوث ترتيب دبلوماسي، مهد له، لجهة جهوزية الملف الأمريكي وإمكانات الولايات المتحدة وبنيتها التحتية. وفي تحقيق مستقل أجراه القضاء السويسري في 2015 حول الصفقة، تأكد وجود 120 عملية تحويل مالية مشبوهة بين قطر وسويسرا، ما يرجّح وجود شبهة فساد. بدوره، أرجع بلاتر، الذي كان يتحدث لصحيفة لوموند الفرنسية، «هنالك اتفاق جنتلمان بين قطر ورئيس الحكومة الفرنسية وقتها، نيكولا ساركوزي، وأيضاً ميشيل بلاتيني». وأضاف بلاتر «قبل موعد التصويت بأسبوع تلقيت اتصالاً هاتفياً من ميشل بلاتيني، أخبرني بأنه تلقى تعليمات من إدارة بلاده بمراعاة مصلحة قطر، لذا سيكون مطالباً بشحذ أصوات لهم، الجميع كان يدعم الملف الأمريكي لجهوزيته، أعتقد بأن أموال قطر لبلاتيني نجحت في شراء أصوات رجّحت فوزهم بالملف». ووفقاً لصحيفة لوموند، فإن بلاتيني استمال أصدقاءه في الاتحاد الأوروبي، حيث كان رئيساً وقتها للتصويت لقطر، وهم رئيس الاتحاد الهولندي مايكل دوغ وأنحيل ماريا فيار رئيس الاتحاد الإسباني، ما عرضهما فيما بعد للتحقيق من لجنة القيم التابعة لفيفا. مأدبة التكتيكات كان بلاتر صريحاً في حديثه للوموند، عندما أشار بأصابع الاتهام إلى شراء أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وولي عهده، وقتها، الشيخ تميم بن حمد أثناء مأدبة غداء في قصر الإليزيه في الـ 23 من نوفمبر 2010. وزاد بلاتر «الغداء، الذي جمع بلاتيني بأمير قطر وولي عهده بترتيب من ساركوزي، غيّر مجرى كل شيء، وكانت فيه كلمة السر في تحوّل المونديال إلى قطر». ووفقاً لصحيفة لوموند، فإن بلاتيني لم يكن متحمساً للملف القطري حتى موعد لقائه بأمير قطر وولي عهده، ليبدأ بعدها تنفيذ أجندتهما بشراء الأصوات ودعم ملفهما على حساب الملف الأمريكي. ويبدو أن ذلك اللقاء كان حافلاً بالكثير، ولا شك أن القطريين قدموا الكثير من الأموال لبلاتيني، إذ لم يمر على الغداء المشبوه سوى أيام فقط حتى فازت قطر بحق تنظيم المونديال. وبعد فوزها بحق تنظيم المونديال بسبعة أيام أعلنت قطر شرائها نادي باريس سان جيرمان بسعر خرافي مقابل 76 مليون يورو، فيما يشبه مكافأة قطرية للجهود الفرنسية. وبعد ذلك، اتجهت قطر لمكافأة بلاتيني شخصياً بتعيين ابنه لوران بلاتيني مستشاراً في شركة أوريدو للاتصلات. تواطؤ فيفا ما أن استقر الأمر لقطر، وراحت تؤسس لملاعبها التي ستستضيف مونديال 2022، حتى أثارت غضب العالم مرة أخرى، إذ وجهت الكثير من وسائل الإعلام العالمية انتقادات حادة لقطر، بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان في قطاع العمال. وسبق أن نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً مطولاً تطرق لتلك الانتهاك، مطالباً فيفا ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل وسحب تنظيم المونديال من الإمارة. ويعاني عمال الملاعب القطرية أوضاعاً إنسانية مزرية، ما أثار موجة من غضب الحقوقيين، في وقت نأى فيه بنفسه عن ذلك، واكتفى بمنح قطر مهلة لتحسين أوضاع العمال. بن همام .. نموذج آخر للتلاعب القطري بعد عام واحد من فضيحة شراء أصوات المونديال في باريس، أصدر فيفا قراراً صاعقاً في حق رئيس الاتحاد الآسيوي محمد بن همام بإيقافه مدى الحياة بتهمة تقديم رشى قبل الانتخابات التي يعتزم الترشح فيها لخلافة بلاتر. وبدأت القصة في مايو 2011، بعد اتهام ابن همام بشراء أصوات أثناء اجتماع لاتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي (كونكاكاف) في ترينيداد وتوباغو. ردود أفعال عالمية لم تسر الأمور وفق ما تشتهيه سفن الدوحة، على الرغم من محاولاتها لملمة أطراف إخفاقاتها وأزماتها، بدفع الكثير من الأموال، إذ عاد مونديال 2022 إلى سطح الأحداث، أمس، على خلفية قطع كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر واليمن وليبيا علاقتها الدبلوماسية معها، بعد تيقن تلك الدول من تمويل واحتضان قطر للإرهاب، وأيضاً محاولاتها شق الصف العربي والخليجي، وتقاربها مع إيران. ودخل فيفا سريعاً على خط الأزمة، إذ أكد أمس استيضاحه لقطر حول الأزمة الدبلوماسية، مبدياً تخوفه من تأثيرها في مونديال 2022. من جهته، أكد الاتحاد الألماني لكرة القدم، وهو من الاتحادات المؤثرة في اللعبة ويحمل المنتخب الألماني لقب كأس العالم، أنه سيناقش المسألة مع الحكومة الألمانية. وأوضح رئيس الاتحاد رينهارد غريندل «سنناقش الوضع السياسي الجديد والمعقد في المنطقة، وخصوصاً في قطر، مع الحكومة الاتحادية». وأضاف غريندل في تصريح غاضب «المجتمع الرياضي العالمي لا يمكنه الموافقة على استضافة دولة ترعى الإرهاب لأكبر حدث رياضي عالمي». ومن واقع التطورات السياسية المتأزمة على قطر، يتوقع أن تتواصل ردود الأفعال، لتبقى المحصلة النهائية ارتفاع الضغوط على قطر، واحتمال انعكاس ذلك على تنظيمها للمونديال بالسحب الفعلي له.