الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

التفاعل المعرفي

التفاعل المعرفي والثقافي والاجتماعي مع الثقافات الأخرى والأطياف المتنوعة، مهم لمقتضيات العصر المتسارع ومتطلباته، أمّا الانغلاق في محيط محدد ومرسوم سلفاً سيؤدي إلى الهاوية، وقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت رضي الله عنه بتعلم السريانية، فتعلمها في سبعة عشر يوماً، وهذا نوع من الانفتاح على لغة قومٍ آخرين وأمن من مكرهم، وهو درس مهم لنا للإحاطة بلغات ومدارس متعددة للإفادة منها حتى لو كانت هذه المدارس مدارس أعداء يتربصون بنا الدوائر. وعندما جاء المستشرقون قبل الحملة الفرنسية بقيادة نابليون كانوا قد درسوا المجتمع العربي والمصري خصوصاً، وعرفوا خباياه ودفائنه، وتوفروا على دراسة الكتب العربية والدينية، واستطاعوا أن ينفذوا إلى قلب هذا المجتمع، والتوغل فيه، ومعرفة جوانب قوته وضعفه، فالمعرفة الإنسانية متعددة ومتنوعة في كل المجالات، وإن لم نحسن التعامل والتفاعل معها فاتَنا الكثير منها. لا يمكن لأمّة من الأمم أن تكون معزولة عن محيطها لا تتفاعل معه ولا تستفيد منه، وإن وُجدتْ فقد فرضت على نفسها الموت الذي سيُعجل باضمحلالها، إنني وأنا أكتب هذه السطور، أتحسرُ على الثقافة العربية، التي لا تواكب هذه القفزات الحضارية المهمة في دول الغرب ولا تتفاعل معها كما يجب، أمّا الحل فأرى من وجهة نظري أنّ علاج هذا القصور يكون بزيادة الترجمة من عيون الفكر الإنساني وعلومه، وإنشاء المراكز وتفعيل دورها. فالترجمة هي التي نهضت بالحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها، عندما أقبل عليها المسلمون في بغداد حاضرة الرشيد، فتمت الترجمة من الفارسية إلى العربية ومن اليونانية والهندية إلى العربية، فتُرجمت كليلة ودمنة نقلها عبد الله بن المقفع، وأيضاً كتاب إقليدس في أصول الحساب والهندسة، وكتاب المِجسطي في الفلك، والذي وضعه بطليموس، ونُقل هذا الكتاب إلى العربية في عهد المأمون، وغيرها من الكتب الكثيرة. هذه إحدى أهم عناصر التفاعل غابت عنّا منذ زمن بعيد، إضافة إلى عوامل أخرى ولكن تركتها مخافة الملل على القارئ الكريم.