الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

عن الكرم والبخل

البخيل هو بخيل الكلمة، تحتضر الكلمة الحلوة بداخله وتموت، فهو يستكثرها على الآخر، لا يفكّر قبل أن يقذف حممه الحارقة بالنقد اللاذع والاستخفاف، أمّا إذا كان الأمر يستوجب مدحاً أو اعترافاً بجميل أو تعبيراً عن إعجاب أو إبهار، فتجده يبتلع الكلمات الجميلة قبل أن ينطقها، ثم يتقيّأ بدلاً منها سمّاً، إنْ لم يقتل المتلقّي فهو على الأقلّ يشلّ فرحه. هو ابتلاء لكلّ من عبَر بجانبه، ونكبة لمن فُرض عليهم، قاتل الفرح، ومُثبّط الهِمم، جالب الإحباط والاكتئاب، فاحذر من الغراب السامّ، فإنّه في الأغلب لا ينير إلا بإطفاء نورك، ولن يتركك إلا وقد أصبحت منتهي الصلاحية. أمّا الكريم فهو كريم الكلمة، هو الساحر الذي امتلك أدوات التعبير، وتسلَّح بمقدّرات خارقة، معها يبني ويُعمّر، ومعها قد يبعث الروح في الآخرين من جديد. بكلمة قد يجعل من طفل رجلاً عظيماً، وقد يجعل من الحبيب طائراً مُحلَقاً في فضاءات لم يعرفها، تجده يوزّع الفرح، فتارة يرسم ابتسامة على وجه عجوز مُثقل بالهموم، وتارة تُقبّل كلماته جبين طفل محروم، فتبعث في نفسه الأمل، هو شخص حُرّ يؤمن بحريّة الجمال، فلا يحبس كلمة جميلة في جوفه، بل يُطلق العنان لها؛ لكي تُنير دروب الأحبّاء والعابرين، فتعود إليه وقد حُمّلت بأضعاف ما بها من سعادة، هو صاحب الكنز، مالك ينبوع التحفيز والإبداع، صادِقه واختره رفيقاً، واغرِف من كنزه الثمين، ففي كلماته حياة.