الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الدوحة تبحث عن ملاذات آمنة لرعاياها من الإرهابيين في طهران وكابل

عكست الحرب على ممولي الإرهاب ظهور تحديات عدة، أبرزها تمسك ممولي الإرهاب بنهجهم ومحاولتهم تحصين جماعاتهم المتطرفة ببحثهم عن ملاذات آمنة لتلك الجماعات، وخطورة انصهار التنظيمات في المجتمعات التي تستوطن فيها لتتخذ شكل فيروس يعيش مرحلة سُبات حتى تقرر الجهات الممولة له استنهاضه مجدداً، أو أنها تعود لتتشكل وفق منظومات ومسميات أخرى تنصهر في العمليات السياسية لبعض البلدان الإقليمية، ما يمثل خطراً أكبر عبر وصولها إلى سدة التأثير في القرارات السياسية، وهو جل مبتغاها. ومن التحديات الجديدة التي كشفتها الحرب على تمويل الإرهاب معركة البقاء التي تعيشها بعض التنظيمات قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في المنطقة، وأحد أبرز تلك الجماعات المتطرفة تنظيم القاعدة الذي عاد للظهور مجدداً عبر الدعوة إلى ما يطلقون عليها «جهاد» والذي يدعو إليه الإرهابي أيمن الظواهري، بهدف فتح جبهات أخرى يعتقد ممولو الإرهاب أنها ستضعف الدول الداعية لمحاربته، واستناداً إلى فهم مجموعة المخاطر تلك بدأت الدول الداعية لمحاربة الإرهاب استراتيجية مغايرة لمحاربة الإرهاب على مستوى أربعة محاور هي التمويل، الخطاب الإعلامي، الشراكة الدولية والمواجهة الميدانية، لتشكل علاجاً ناجعاً لوباء التنظيمات المتطرفة وأسباب انتشاره في المنطقة. الأنفاس الأخيرة يبرز التهديد الأكبر للجماعات المتطرفة بتضييق الخناق على تمويلها، لتشكل الحلقة الأضعف على الأرض، ومع إعلان الدول الداعية لمحاربة الإرهاب «الإمارات، السعودية، البحرين ومصر» مقاطعة قطر لحين عدولها عن سياساتها الحالية الراعية للإرهاب والإرهابيين، نالت الجماعات المتطرفة في المقابل قسطاً غير مسبوق من الخسائر، تمثلت في تخليهم السريع عن مدن شكلت لفترة ما وهم إقامة «الخلافة» المزعومة، كما في الموصل ومناطق عدة في سوريا. وشكل هذا الانكماش المفاجئ صدمة في المقابل إلى الدول الممولة للإرهاب «قطر» وللقيادات الفكرية التي تستضيفها الدوحة، بعد أن أيقنت أنه لا تأثير فكرياً يذكر لها في أي من عناصر تلك التنظيمات، وبات واضحاً للعالم أجمع أنهم لا يتجاوزون مجموعة مرتزقة تعنيهم «الغنائم» أولاً وأخيراً، لتخسر قطر في المرحلة الأولى من إعلان الحرب على تمويلها للإرهاب أهم وسائل انتشار جماعاتها إلا وهي التأثير الفكري عبر شرعنة الإرهاب وتبريره. وبالنظر إلى تتابع الأحداث في غضون الشهريين الماضيين يبدو مفتاح الاستراتيجية القطرية المقبلة في التعامل مع ملف الإرهاب جلياً في مجموعة الاتفاقات الطائرة، سواء بين قطر ودول أخرى، أو بين فصائل إرهابية مسلحة تدعمها قطر، وهذه هي أبرز القضايا التي تتعامل معها قطر في الفترة الراهنة للحفاظ على نهجها من جهة ومحاولة تبرئة نفسها أمام المجتمع الدولي وحل أزمتها الخليجية من جهة أخرى. البحث عن مكب للإرهاب الخسارة الأولى التي مُنّيت بها قطر في شهرين، لم تقف عند هذا الحد، إذ تواجه اليوم ضغطاً من قيادات الإرهاب الفكرية التي تجد الدوحة صعوبة في التخلي عن استضافتها لهم لأسباب عدة، أبرزها الخوف من كشفهم لملفات أكثر ظلامية تورطت فيها قطر على مدى الأعوام السابقة، ما يجبرها على تقديم تنازلات لدول مثل إيران تقدم نفسها باعتبارها ملاذاً آمناً لتلك الجماعات، إذ سبق أن قدمت إيران نفسها ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة عبر مجموعة تسويات سياسية. ويرى مركز المستقبل Future للدراسات والأبحاث أن أبرز البؤر التي قد تلجأ قطر لتحويلها إلى ملاذات آمنة هي إيران التي تبتز الدوحة بتمرير صفقات وإعلان الولاء لطهران لقاء استضافة قيادات الفكر الإرهابي، إلى جانب أفغانستان خصوصاً بعد الظهور المفاجئ لتنظيم داعش في قندهار والتنسيق الخفي بينه وبين عناصر طالبان، وبحسب المركز، فإن ولاية كشمير الهندية قد تعد أحد الملاذات المحتملة، إذ أعلنت في يوليو 2017 بدء تحقيق يفيد بأن تنظيم القاعدة شكل فرعاً فيها بقيادة شخص يدعى زاكر موسى، فيما انتشرت أعلام لتنظيم داعش في إحدى التظاهرات التي عقبت صلاة الجمعة في مدينة سريناغار ـ كشمير، بعد أن خسرت قطر الرهان على ثلاثة ملاذات هي سوريا وليبيا واليمن، بعد طردها من التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وفضح دورها في كل من ليبيا وسوريا. إعادة تدوير الإرهاب قد لا يكون الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية دول بعينها، وإنما التخفي بمنظومات سياسية جديدة تنصهر فيها تلك الجماعات لتسلخ عنها جلد الإرهاب، إذ كشفت تقارير لصحف أمريكية الشهر الماضي الجهود الحثيثة لتركيا في دمج فصائل مسلحة موالية لها منها أحرار الشام، الذراع العسكرية لجماعة الإخوان في سوريا، وهيئة تحرير الشام التي يقودها زعيم جبهة النصرة أبومحمد الجولاني المدعوم من قطر. وأوضحت التقارير أن مساعي تركيا لدمج الفصيلين تأتي في إطار صفقات تركية إيرانية قطرية واسعة في سوريا، وأضافت أن تركيا شددت على اندماج «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» تحت مسمي «الحركة الشعبية السورية»، لافتة إلى أن تركيا وقطر تسعيان إلى تغير «الشكل الإسلامي» للفصائل الموالية لها إلى شكل مدني في إطار بقاء الفصائل المسلحة بواجهة جديدة تفادياً لأي عقوبات دولية، أو تهم التورط بالإرهاب، وهو ما أكدته تلك الفصائل لاحقاً ببيان هدنة بينها وقرار بوقف إطلاق النار نشرته هيئة تحرير الشام عبر موقعها الرسمي. اجترار الإرهاب عودة القيادات الغابرة للقاعدة وظهورها بين حين وآخر عبر قناة الجزيرة القطرية التي عرفت بالمروج الأكبر لها، يكشف المحور الثالث الذي تلعب عليه قطر وهو الاستعانة بحليفها الدائم «تنظيم القاعدة»، وتتضح النيات القطرية في التواطؤ المستمر مع عناصر القاعدة عبر الترويج لأيمن الظواهري ودعواته لتصعيد العمليات في مصر واليمن، بعد إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع علاقاتها بقطر، تلك العودة قد تفسر بأنها تهديد مبطن ينذر بأن الدوحة تنوي فتح ثغرات في ساحات قتال الدول الداعية لمحاربة الإرهاب، وهنا لا تسعى الدوحة أو تنظيم القاعدة إلى مكاسب على الأرض أو إعلان استيلائها على مناطق بقدر عملها على تعطيل جهود الدول الأربع في القضاء على التنظيمات الإرهابية، وينذر تصعيد العمليات الإرهابية شمال سيناء التي تتبناها جماعة «حسم» الإرهابية أحد الأجنحة العسكرية غير المعلنة للإخوان في مصر وتحركات تنظيم القاعدة في اليمن بلعب الدوحة على ورقة سياسة استنزاف الدول الداعية لمحاربة الإرهاب وإطالة أمد حروبها ضده لأطول وقت ممكن.