الكتاب المسموع

يبدو أن الأفكار في عالم الثورة التكنولوجية لن تقف عند حد، ولن تكل أو تمل من تقديم الابتكار تلو الآخر، غير مقتصرة على مجال واحد، كل ما تتخيله وما لا تتخيله ستجده متجسداً على أرض الواقع بين يديك، ثورة تكنولوجية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. الكارثة التي تهدد الحياة البشرية بأكملها أن هذه الثورة التكنولوجية بدأت تلاشي العالم الواقعي لمصلحة العالم الافتراضي، ما جعل الإنسان أسيراً متقوقعاً داخل جهازه المحمول لا يكاد يفارقه حتى في النوم، لم تعد للقاءات الأهل والأحبة أي قيمة إنسانية، ولم تعد تعني سوى انضمامك إلى عضوية مجموعة العائلة في الواتس أب، لتتحول العلاقة العائلية وصلة الرحم من علاقة إنسانية إلى علاقة رقمية بلا لون ولا طعم ولا رائحة. آخر انتصارات الغزو الرقمي هو ما جرى الإعلان عنه أخيراً من تحويل الكتب ونقلها من الورق إلى تسجيلات صوتية، لتصبح بدلاً من أن تقرأ الكتاب تسمعه، سطو رقمي حتى على الحواس، انتقلت أدوات القراءة من العين إلى الأذن في صمت مطبق من المثقفين والجمعيات الثقافية التي تهتم بنشر ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع، لكن هذا لا يعني أنني ضد الفكرة، حيث لا يحق للإنسان معاداة ما يجهل، ولكني تمنيت اختراع برنامج يطور ويرغّب الجيل العربي في القراءة وليس اختراعاً يلغي آخر أمل في ذلك. مشكلة هذه الفكرة أنها ستنقل الكتاب لحياة جديدة تفصله تماماً عن ماضيه، وستلغي فوائده السابقة التي تعتمد على تطوير مهارات القارئ نفسه إلى تطوير مهارات صاحب الصوت الذي جرى تسجيل الكتاب بصوته، هذه الفكرة في عالمنا العربي مثل تقديمك لشخص يعاني الجوع أفخم طبق حلوى ليسد جوعه ولكن بشكل وهمي، إنها ثورة رقمية لا تبقي ولا تذر! سميرة مدني [email protected] إعلامية واختصاصية اجتماعية