الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

غيبوبة في جيبي

فور دخولي إلى باب الطائرة في رحلة إلى «جزيرة الحقيقة»، وقبل أن ألقي بجسدي على مقعدي المكتوب باسمي مؤقتاً، تفاجأت بسيدةٍ عن يميني تفك مثلث الحرير عن رأسها وتطويه بلا اكتراث في حقيبة يدها، وتغرز الإبرة في طرف مقعدها لتعلن الحرب على حجابها، شعرتُ وكأنها تتعرّى أمامي وعلى الملأ، لويت فمي أي (لا يعنيني)، فالمشكلة هنا ليست دينية، ولا حتى أخلاقية، وإنما في التناقض المرعب حول الغيبوبة التي جلست بجواري، تحت مسمى الحرية الشخصية، ولذا همستُ بصوتٍ تناهى لأذنيّ [مرحباً بكِ أيتها الغيبوبة]. ربطتُ الحزام وأنا على يقين من انعدام فائدته في الواقع، ألصقت أنفي وجبهتي بالنافذة، رسَمَت سحابة أنفاسي ما بخاطرها عبر ريشة وجهي وألوان رئتيَّ على ورقة الزجاج، فحلَّقتُ بخيالي فوق المربعات الخضراء ومكعبات العمران تحتي، بعيداً عن شجار الزوجين الصامت في المقعدين من خلفي، كانت الغيبوبة ذاتها تخيم بسلبية فوق عشهما المزعوم، ورائحة كثرة التوقعات تفوح من عينيهما، تمنيتُ إقناعهما بأن الحياة لا تستحق كل هذا الموت! وأنها أجمل بكثير من أن نحرقها بسخافة الخلافات، وهكذا أخرجت يدي من جيبي وكتبت بأصبعي على صفحة نافذتي [غداً أجمل أيتها الغيبوبة]. استيقظت (غيبوبة الأمل) في مقبرة، فنبتت جنة أحياء.