الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إشكالية التداخل بين مفهومي الثقافة والحضارة (2-2)

في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» يشير (علي بجوفيتش) إشارة لطيفة للفرق بين الحضارة والثقافة من حيث الحامل والفاعل لهما، فيقول: (حامل الثقافة هو الإنسان وحامل الحضارة هو المجتمع.. ومعنى الثقافة: القوة الذاتية التي تُكتسب بالتنشئة، أما الحضارة فهي قوة على الطبيعة عن طريق العلم، فالعلم والتكنولوجيا والمدن والدول كلها تنتمي إلى الحضارة. ووسائل الحضارة هي الفكر واللغة والكتابة. وكل من الحضارة والثقافة ينتمي أحدهما للآخر كما ينتمي عالم السماء إلى هذا العالم الدنيوي.. فالحضارة تُعَلَّم، أما الثقافة فتُنوِّر، تحتاج الأولى إلى تعلُّم أما الثانية فتحتاج إلى تأمل. ـ 3 ـ في عام 2009 صدر عن دار الفكر ببيروت كتاب جماعي: «الثقافة والحضارة .. مقاربة بين الفكرين الغربي والإسلامي»، يؤكد الباحث سعيد ـ في هذا الكتاب ـ أن التعريفات السوسيولوجية لمفهوم الثقافة اتسمت بالعمومية؛ إذ إن التعريف الأكثر شهرة في تاريخ الدراسات السوسيولوجية هو: (ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات، وكل المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع). ويعرض سعيد بعد ذلك أهم الاتجاهات السوسيولوجية فيما يخص مفهوم الحضارة، فالاتجاه الأول يرى أن الثقافة والحضارة مترادفان، فيما يرى الاتجاه الثاني أن الحضارة تقتصر على الشق المادي فقط من الثقافة، ويمثل هذا الاتجاه (روبيرت ماكيفر) و(آدم). أما الاتجاه الثالث وهو الراهن الآن في الغرب، فيجعل من الثقافة جزءاً مادياً ومعنوياً، وكيانه الكلي هو المسمى بالحضارة. وعليه؛ يمكننا أن نخلص إلى أن التعريفات تعددت لدرجة يصعب حصرها؛ فقد جمع (كرويبر l.kroeber) ما يزيد على مئة وستين تعريفاً، منها ما اهتمت بالحصر والوصف مثل ما قدمه (فرانز بواس F.Boas )، ومنها تعريفات ذات طابع نفسي تبحث عن حلول لمشكلات الحياة كما عند (فورد S.Ford)، دون أن نغفل التعريفات (الخلدونية) التي جمعت بين العمراني والقَبَلي. سيبقى المصطلحان يَسْبَحان في بحر لجِّي من التعريفات المتباينة، والتي تنهل من تباين المرجعيات والإيديولوجيات التي ما طفقت مختلفة في أصولها وجزئياتها.