الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

خيار بين الكرة والسياسة .. جيرونا صانع الفرحة الكاتالونية وفخر الفوز على الريال الملكي

مع بلوغ محنة انفصال إقليم كاتالونيا درجة الغليان خارج ملعب مونتيليفي، وما تبع ذلك من تكتلات سياسية صاخبة، منح فريق جيرونا المتواضع الإقليم الذي ينتمي إليه فخر الفوز على عملاق الليغا والكرة الأوروبية ريال مدريد، في مباراة للتاريخ. ليس هذا فحسب، بل كان ذلك الفوز من أسباب تدهور معنويات لاعبي الريال إلى درجة أثرت في مستوى أدائهم أمام فريق توتنهام الإنجليزي بعدها بأيام قلائل فخسر الملكي المباراة التي جمعت بينهما بثلاثة أهداف لواحد ضمن دوري أبطال أوروبا على ملعب ويمبلي التاريخي. وقف المدرب بابلو ماشين وسط غرفة تبديل الملابس، وسط الأحذية والجوارب وقوارير المياه المتناثرة على أرضية الغرفة، وأكد للاعبين «يجب أن تكونوا فخورين بما أنجزتم». لم يطل الحديث، وعندما انتهت كلماته انفجر التصفيق من الجميع وللجميع، وعمت الاحتفالات الصاخبة، ومن جانبه، حاول ماشين تهدئة الوضع، «ربما تتمثل مهمة المدرب في تهدئة المشاعر لكني أردت أن يستمتعوا باللحظة التاريخية التي استحقوها، سيكون هناك احتفال ضخم». وعلق لاعب الوسط أليكس غرانيل على ما قاله مدربه، «ربما لم يقصد احتفالات الجمهور لكن في النهاية احتفلنا نحن كذلك». ارتفعت عقيرة الجمهور خارج الملعب مرددين النشيد الكاتالوني وهم متجهون نحو المدينة، واعترف المدرب ماشين، «لو أخبرني أحد قبل ثلاثة أعوام بما حدث اليوم لتساءلت في أي بلد يقصد، ما يهم أن الجميع سعداء بما حدث، وفي التوقيت الذي حدث فيه». والحقيقة أن الإرهاق بلغ منتهاه لدى اللاعبين، إلى درجة أنهم كانوا بالكاد قادرين على المشي بعد صافرة النهاية، لكن بعد مثل هذه المباراة، ينتاب اللاعبين الإحساس أنهم قادرون على أداء مباراة أخرى مباشرة، ربما لم يسبق لهم أداء مباراة كهذه أبداً، وعنها علق ماشين للاعبيه، «نظرياً، أنتم أصغر فريق في الليغا، غير أنكم حققتم الفوز على بطل أوروبا، مدريد من الوزن الثقيل ونحن وزن الريشة، ما فعلتموه الليلة لم يتكرر منذ 27 عاماً». خبرة متواضعة أحرز كل من كريستيان ستواني وبورتو هدفين نسخا بهما هدف إيسكو المبكر، الأول أمضى الموسم الماضي في صفوف فريق ميدلزبره الإنجليزي الهابط إلى دوري المظاليم، أما الثاني فشارك في مباراة وحيدة في دوري (بريمييرا) الموسم الماضي، وغالبية زملاء اللاعبين لهم خلفية مماثلة. ورد المدرب ماشين على سؤال أحد الصحافيين، «هل هي أفضل لحظة في تاريخ النادي؟ مجيباً، الحقيقة لولا صعودنا إلى الليغا لما حدث ما حدث اليوم، تحققت أهدافنا، لقاء الفرق الضخمة كريال مدريد واللعب معهم كالند للند». ندية مستبعدة المنطق يقول إن جيرونا لا يعتبر نداً لريال مدريد، لكن واقعياً هو أفضل من بطل العالم للأندية، وبميزانية تبلغ عشرة أضعاف جيرونا، أفضل بعد أن صعد لأول مرة إلى مصاف أندية الليغا، ثم كسر الرقم القياسي في عدد الحضور الجماهيري في ملعبه الذي اكتظ بما يفوق سعته البالغة 13382 متفرجاً، وهو الذي قهر الفريق الذي يدربه أحد أساطير كرة القدم زين الدين زيدان، وهو الفريق الذي يشجعه جناح جيرونا أدي بنيتيز، والريال هو كذلك المثل الأعلى للاعب كريستيان ستواني في طفولته. شارك جميع اللاعبين في الإنجاز: أداي، بابلو مافيو، بورتو والبقية، ولخص ستواني الإنجاز الذي حدث خلال الاحتفالات بعيد القديس (سانت نارسيس) بأنه «يوم تاريخي». فريق رئيس الوزراء الإسباني جيرونا ليس فريق كاتالونيا فحسب، بل هو الفريق الذي يشجعه رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راجو، وكثيراً ما اعتبر راجو أن جيرونا يمثل الأمة الإسبانية، بينما يعتبر سكان جيرونا مدينتهم هي رائدة حركة انفصال كاتالونيا، أما عمدة مدينتهم السابق (شارلس بويغديمونت)، ورغم أنه معروف بتشجيع فريق برشلونة التي تبعد 99 كم، إلا أنه كذلك من كبار مشجعي فريق جيرونا، وكان يحمل التذاكر الموسمية لحضور مبارياته على ملعب مونتيليفي، وهو كذلك أحد المرشحين لرئاسة جمهورية كاتالونيا بعد استقلالها. وعند الساعة 3.45 بالتوقيت المحلي يوم الجمعة، أعلن بويغديمون استقلال كاتالونيا، واجتاح المناصرون للانفصال شوارع المدينة وهم يتغنون بالنشيد الكاتالوني، بينما أعلن آخرون اعتراضهم على القرار، وبعد ذلك بساعات قليلة استولى مجلس الشيوخ على الإقليم وأمر بطرد بويغديمون وأغلق البرلمان الكاتالوني، وأنزل بعضهم العلم الإسباني من قاعة المدينة، وفي نفس الأمسية، وصل فريق ريال مدريد بالقطار، وفي اليوم التالي، وسط التظاهرات العارمة بواسطة النقابات وبحضور رئيس رابطة كرة القدم خافيير تيباس، تقرر أداء المباراة الأولى بالمدينة بعد إعلان الاستقلال. مباراة رمزية يدفع البعض بأن هزيمة ريال مدريد أمام جيرونا المتواضع، ربما تكون المباراة ذات الدلالات الأكثر رمزية في كرة القدم الإسبانية، وتكهن البعض الآخر بوقوع مشاكل أشد قسوة في المستقبل القريب بين أروقة النادي الملكي. لكن إدارة الريال ردت بأنها تتعامل مع المباراة كأي مباراة أخرى. أما عمدة جيرونا فكان أكثر تواضعاً في حديثه عنها «حققنا المعجزة وسنعود إلى سابق عهدنا من الهدوء». وأضاف العمدة «لا داعي لقرع أجراس الإنذار، جمهورنا مسالم ومحترم ويتطلع للاستمتاع بكرة القدم بين أندية الليغا الإسبانية». وأكد ماشين وكذلك نائب رئيس رابطة مشجعي ريال مدريد بمدينة جيرونا «ليس صعباً أن تكون من مشجعي الريال هنا في جيرونا». عناوين الصحف كتبت صحيفة «سبورت» الناطقة بلسان حال برشلونة (شكراً جيرونا) عرفاناً بجميل فريق كاتالوني لآخر، واختارت صحيفة «أس» المرموقة عنواناً فيه الصبغة السياسية وهو «واترلو» نسبة للمعركة الفرنسية الأشهر. أما مانشيت صحيفة «ماركا» العريض فجاء فيه (مدريد اختار الانفصال عن الليغا»، وجاء في تغطية الموضوع «أدلى ريال مدريد بصوته في صناديق الاقتراع، وصوت للقب». وعلقت صحيفة إل بونت أفي «الرعب المدريدي كان رياضياً، ليس سياسياً بل التشكيلة المتهالكة التي شارك بها». وأمنت صحيفة (إلموندو) على تحليل زميلتها مضيفة «الجحيم كان داخل أرضية الملعب وليس خارجها». هنأ بويغديمونت فريق جيرونا، وبعد وقت قصير، مؤكداً، «فوز جيرونا على أحد أعظم أندية كرة القدم في العالم مثال ناصع و أنموذج للعديد من الحالات المشابهة لما يحدث في كاتالونيا». يوم مشرق كانت السماء مشرقة والناس مبتسمين، وكانت أرضية الملعب في حالة مثالية، ساد الهدوء خارج الملعب، وانهمك عدد من الأطفال يتجولون بدراجاتهم الهوائية، ثم تركوا دراجاتهم بالقرب من أحد رجال الشرطة، ليبقوا هناك طوال فترة ما بعد الظهيرة. وعند وصول ريال مدريد ارتفعت أصوات الصفير وهلل عدد آخر وعلت هتافاتهم بالتحية وطلبوا التقاط الصور التذكارية. واكتمل المشهد بامتداد الصفوف أمام أحد متاجر الهدايا التذكارية رغم حرارة الطقس، وساد الهدوء أرجاء الملعب إلى أن بدأت المباراة فبدأت الضوضاء كما كان متوقعاً وسط جمهور جيرونا الذي رفع العلم الكاتالوني ومعه لافتات تنادي بالانفصال، ومعهم حفنة من جماهير ريال مدريد كذلك. وعند الساعة الخامسة تعالت أناشيد الانفصال والمطالبة بالحرية والمطالبة بـ «بويغديمونت رئيساً». وصمت الجميع عند بداية المباراة، تخلف جيرونا بهدف احتفل به لاعبو وجمهور الريال، لكن ذلك لم يدم طويلاً ارتطمت كرة جيرونا بالقائم مرتين، وعند استراحة ما بين الشوطين، أكد المدرب ماشين للاعبيه أن أمامهم فرصة تعديل النتيجة، وكان محقاً في تأكيده. لعب جيرونا بأسلوب 3 - 5 - 2، ومارسوا ضغطاً كبيراً على لاعبي الريال، وانسل ستواني بين المدافعين ليحرز هدف التعادل، وبعده بأربعة دقائق أحرز بورتو هدف التقدم بلعبة جميلة بالكعب، وأوشك على إحراز الثالث بكرة انسابت عبر الحارس كيكو كاسيا لكن خرجت عند القائم البعيد. حاول الملكي جاهداً تعديل النتيجة دون جدوي وسط استمتاع لاعبي جيرونا والجمهور بالمباراة، وإحباط الخصم في الملعب والمدرجات. محاولات زيدان لجأ المدرب زيدان إلى اللعب بثلاثة مدافعين ومعهم اثنان كمدافعين وأجنحة لمراقبة لاعبي جيرونا رجلاً لرجل بلا جدوى. ومن على البعد تعالى صياح الرئيس «بويغديمونت» لن يأخذوا منا النقاط الثلاث». وأطلق الحكم صافرة النهاية وسط إحباط الميرينغي، ولم يجد لاعبو جيرونا مساحة للحركة بعد أن غزا الجمهور أرضية الملعب. نجح رجال المدرب ماشين في صناعة التاريخ والفوز على أبطال العالم، وعلق المدرب المنتشي «كل من تابعنا أدرك أننا الشجعان، واجهنا أتليتكو مدريد، برشلونة، وإشبيلية، وفياريال على ملعبنا، لم نكن لقمة سائغة لهم جميعاً تعادلنا بهدفين مع أتليتكو، وخسرنا بهدف أمام إشبيلية، بثلاثة أمام برشلونة كان هدف منها بأقدام لاعبينا، الآن هزمنا الريال ووضعناه متخلفاً بفارق ثماني نقاط خلف برشلونة».