الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

برودسكي .. المتطفل

يلعب المزاج السلطوي على مقياسه المفضل، وحسب باروميتر الخطورة والاطمئنان تجري هذه المحاكمات العبثية لأولئك الصعاليك، الشعراء المشردين والفوضويين، أيقونات الشيطان كما كان يُنظر إليهم، كانت أوائل تلك الخصومات القانونية ما بين السلطة والأدب مباغتة للشاعر الروسي الكبير برودسكي، سُجلت تهمته تحت مسمى «التطفل»، التطفل على الأدب، والسير منفرداً وتجاهل التنظيم الاجتماعي والسياسي للأدب. في كتاب «محاكمة برودسكي، أول محاكمة لشاعر»، في طبعته الجديدة الصادرة أخيراً ومن تأليف عدد من الروس، ستقرأ فيها فصول المحاكمة التي كانت حرفياً عدمية، التجرؤ على الناس في الأنظمة الشمولية مرة للمثقفين وأصحاب الكلمة الحرة، ووصولاً إلى أحاديث الشارع وتساؤلاته، وحتى هواجس الأفراد غير المعلنة، وعبر ابتكار التهم الأكثر غموضاً ومطاطية، لكبح خطابهم، وما يمكن أن يتصدى لهم. كانت المحكمة بحسب الكتاب تعترض على برودسكي لأنه كان يكتب الغرائبي، وكان عاطلاً عن العمل، وكتابة الشعر ليست وظيفة، ثم إن هذا الشاعر لم يكن ضمن اتحاد الأدباء، كان له خط سيره الخاص. ظلوا يدققون في سيرته، يقلبون أوجهها، ومن ثم يستدرجونه إلى عقوبات لا يحسنون التمهيد لها، برغم أن أشعاره ليست سياسية، وكلما دافع عن نفسه التفّوا عليه. والمشكلة هي حين وقف ضده مجتمع الأدباء الانتهازيين، ودونوا عن كونه يريد أن يقتحم الأدب بمفرده ويتجاوز العرف. تلك الملاحقات كانت تخفي شكوكها السياسية، ليس في شعره لكنها تتذرع بالشعر. وضع برودسكي في مصحة عقلية ثم حكم عليه بالنفي وبالأعمال الشاقة، كل هذا قبل أن يمنح فيما بعد نوبل للآداب، ويتوج ملكاً لشعراء الولايات المتحدة. [email protected]