السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

رحلتي مع الطنطاوي

عندما أقرأ له أشعرُ بدفعة عارمة إلى الكتابة، وتتجلى لي الكلمة بمفاتنها، وبعفويتها، وتتقاطر إليَّ المعاني سِراعا، وما إن أنتهي من قراءة كتابٍ له حتى أسعى لاقتناء كتابٍ آخر، وأجدُني، مستمسكاً بتلابيب أسلوبه السهل الميسر، إنه فقيه الأدباء وأديب الفقهاء كما قيل عنه، علي الطنطاوي. في ذكرياته التي خطّها بقلمه السيّال قلمِ الأدب الذي لا يخطئ بدفقاته وجدان القراء، الذي يخاطب القلب والعقل معاً بتمازج قلّ نظيره، إن هذه الخامة من الناس لاتتكرر، إلا بعد أزمان وأحقاب متطاولة، لم يأتِ الشيخ علي الطنطاوي للناس من برجه العاجي، يطل عليهم إطلالة الفيلسوف الذي يدوخهم بأفكاره البعيدة كل البعد عن همومهم اليومية، وإنما انخرط بكليّته في ميدان الحياة، معلماً ومفتياً ومجيباً عن كلّ ما جدّ واستجدّ من نوازل العصر وفقه النوازل، بطبعه الذي لم يعرف التصنع والتكلف، هكذا كان على سجيته. تقلّب الشيخ في مناصب عدة، وارتحل إلى مناطق مختلفة وخاض غمار الحياة، وكتب مبكراً في صحيفة الرسالة، التي كانت موئل الكبار، ومثابة القراء. الأنس بكتبه لايعادله أنس، والاغتراف من معين فكره لايغيض، فأنت أمام مدرسة، وظاهرة مميزة عن غيرها. في مكتب عنبر في مدينة دمشق، تعلّم الطنطاوي على يد نخبة من العلماء الذين كانوا أئمة في اللغة، وحُججاً في العربية، منهم سليم الجندي والمبارك، يقول الطنطاوي في مذكراته الممتعة عن الجندي «كنتُ لا أكفّ عن سؤاله أسأله عن الغريب فلا تغيب عنه كلمة منه كأنه وعى المعاجم، وأسأله عن التصريف والاشتقاق، فيجيب على البديهة بما يعيي العلماء، لم يكن عالماً بل أكثر من عالم، كان من علماء العربية الأوّلين، ولكنه ضل طريقه في بيداء الزمان فجاء في القرن الـ 14 لا في القرن الرابع!. أقول لكل من أراد رسم منهجية للقراءة وهو لا يزال في البدايات: عليك بنتاج الطنطاوي فهو خير دليل لك لتبدأ رحلة الاطلاع والمعرفة، فالموسوعية واللغة، وأشتات العلوم المتنوعة أبرز الخطوط العريضة في كتب الطنطاوي.