الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

غرابة العشق عند السياب

بالرغم من حياة الشاعر العراقي بدر السياب القصيرة نسبياً والتي قضى أكثر أيامها في المستشفيات إلا أنه سجل لحياته المعذبة وشعره الإبداعي حضوراً باهراً ندر أن حظي به شاعر مثله من قبل، كما أن حياته العليلة لفتت الانتباه إليه من كونه حالة حياتية نادرة لشاعر كتب عليه أن يعيش معذباً وجائعاً وفقيراً تكتنف جسده الأمراض الفتاكة. وهو صاحب الإحساس المرهف الذي عاش في بيئة جنوب العراق، كانت كل تفصيلاتها توحي بالشعر والجمال والرهافة، ولم تكن قريته (بقيع) إلا جنة مكتظة بالنخل والأشجار والظلال والأعناب والخوخ والتين والأنهار والعصافير والسواقي ونهر (بويب) الصغير الذي صنع منه السياب أسطورة شعرية لا يستهان بها. عاش السياب حياة صاخبة بالعذاب منذ طفولته، بدأت بموت أمه وهو في السنة السادسة من عمره، فافتقد الحنان مبكراً، وبعد وفاة أمه انتقل إلى كنف جدته التي وجد في أحضانها معاني العطف والحنان، وكانت تروي له الكثير من الحكايات الأسطورية التي وظف الكثير منها في قصائده، إلا أن جدته هذه سرعان ما توفيت فظلت صورة والدته في مخيلته، فقد كان يجدها في كل وجه فتاة يقابلها فيهيم بها، وكان دائم البحث عمن تعوضه الحب والحنان. أما مظهر الغرابة عند السياب فيتمثل في أنه يحب كل فتاة يقابلها، ويتوهم أنها تهيم به حباً وولعاً، وكانت الراعية (هالة) أول امرأة خفق لها قلب السياب وأحبها، ثم تحول قلبه عنها ليعشق فتاةً تدعى (وفيقة) ونظم فيها قصيدته الشهيرة (شباك وفيقة)، ثم أحب ابنة (الجلبي) التي كان يلمحها وهو مار بزقاق يؤدي إلى بيته، فكان يتغزل بها ويهيم بحبها من طرفه هو وحده كما هي العادة. وفي دار المعلمين العالية في بغداد وقع فؤاده في هوى فتاة بغدادية كانت تدرس معه في دار المعلمين العالية، كان اسمها (لباب) وقد أخذت حظاً وفيراً من العلم والمعرفة، ولها فوق ثقافتها جمال باهر وذكاء متوقد لدرجة أن أهلها كانوا يوصونها أن تعبس في وجوه الناس والمارة حتى لا يطمع أحد بملاحقتها ومشاكستها، وكان حظ السياب أنه من جملة من كانت تعبس في وجوههم عند رؤيتهم، ولا ندري أهو الحظ الذي عاند السياب في حبه وقلبه أم أن جنونه كان تفسيراً لهذا الحب الذي لا يعرف إلا طرفاً واحداً فيه. وبعد (لباب) أحب الشاعر شاعرة مثله وهي (لميعة عباس عمارة) وكانت بداية هذه العلاقة ذات طابع سياسي ثم أحب الكاتبة البلجيكية (لوك لوران) فهام بها حباً وعشقاً، وكتب فيها قصيدة تعد من أروع قصائده الغزلية، ثم أحب فتاة تدعى (مادلين)، وبعد أن رأى أنها لا تبادله الحب بدت آثار المرض والإعياء تزيد عليه، وعندها سافر إلى بيروت للعلاج، وكانت الممرضة الجميلة (ليلى) ترأف لحالته المتدهورة وتعطف عليه ، فتوهم هذه الرأفة حباً وذلك العطف هياماً، فشرع يكتب لها تباريح حبه لها وهو على سرير المرض.