الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

أساس الثورة العلمية عند كوبرنيكس

عاش كوبرنيكس (1473 ـ 1543) قبل الحقبة التي سيطرت فيها الثورة العلمية في القرن الـ 17 بقرن كامل. ومع ذلك فقد كان من المستحيل أن تظهر هذه الثورة بدون كوبرنيكس، فقد بنيت على أساس نظرياته. وإنجازه العظيم هو إحلال النظرية الهليوسنترية (مركزية الشمس) محل النظرية الجيوسنترية (مركزية الأرض) في علم الفلك. وهذا يعني أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس، ولقد كانت النظرية الهليوسنترية موضع تسليم عام منذ العصور القديمة، وقد طورها مذهب عالم الفلك السكندرى بطليموس على ثلاثة فروض أساسية .. أولاً: الأرض تظل ساكنة بلا حركة في مركز الكون. ثانياً: أن الأجرام السماوية كلها تدور حول الأرض. ثالثاً: أن دورانها حول الأرض يجري في حركة دائرية. بينما لم يسبب الفرضان الأولان أية صعوبات، فقد صدم الفرض الثالث وقائع بسيطة كانت معروفة جيداً حتى عند القدماء. فقد كان معروفاً منذ العصور القديمة أن الكواكب «تتجول» في السماء، لكن بطليموس رأى أن حركة الكواكب معقدة وشرحها في نظرية بارعة هي نظرية «الدوائر الصغيرة» وتقوم على ضرورة بناء دوائر متخيلة لتفسير الحركات التي نلاحظها غير الحركات الدائرية للكواكب. ويكون ذلك برسم خريطة كبرى لقطر كل دائرة ولسرعة دورانها. وهذا هو ما قام به النظام البطلمي بالنسبة لجميع الأجرام السماوية. ولكن كانت المساواة الكبرى له طابعه المعقد المزعج. وكان جوهر إسهام كوبرنيكس للعلم يكمن في استبصاره العميق بأن حركات الكواكب التي تشبه الانقلاب يمكن تفسيرها بطريقة أكثر تبسيطاً مما فعل بطليموس، لو افترضنا أن الكواكب تدور حول الشمس، وأن الأرض نفسها كوكب يدور حول الشمس، في الوقت الذي تدور فيه حول محورها يومياً. ولقد برهن كوبرنيكس على أننا لو افترضنا هذا الفرض، فإننا يمكن أن نستغني عن معظم الدوائر الصغيرة التي افترضها بطليموس، وهكذا نبسط حسابات الفلك تبسيطاً عظيماً. والمهم أن النظرية الهيلوسنترية قد حازت قبولاً وسيطرت على العقول بمجرد ما افترضها كوبرنيكس. ولقد انقضى نحو قرن كامل قبل أن يتقبلها الناس قبولاً عاماً حتى من العلماء أنفسهم فقد ظلت موضع شك حتى عصر غاليليو، وظل عالم الفلك الدنماركي تيكوبراهي، بعد كوبرنيكس بنصف قرن تقريباً، مصراً على أن الأرض ساكنة، وأن الشمس هي التي تدور حولها على الرغم من أنه تابع النظرية الجديدة إلى حد الإيمان بأن بعض الكواكب تدور حول الشمس، وهي مصالحة مثيرة بين نظام بطليموس ونظام كوبرنيكس، وجدت استحساناً ملحوظاً في عصره. وهذه المصالحة أصبحت بعدئذ نظرية أثارت نزاعاً حاداً بين العلم والكنيسة ثم وضعها غاليليو في النهاية ضمن خريطة العلم، برغم أنه عانى من السجن على يد محاكم التفتيش لفعلته هذه. * رئيس قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة طنطا، مصر