الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

علامات عابرة للقارات

ما المساحة التي تحتلها العلامات التجارية من وعي المستهلك وثقافته؟ وهل يمكن أن تعزز الانفصال الاجتماعي بين الطبقات والفئات المختلفة على اعتبار أن هذه الواجهات الاقتصادية والتجارية تحقق التميز والفرادة والتنافسية الاجتماعية، إذ إن معايير الجودة والفائدة لم تعد وحدها الحكم في عملية انتقاء منتج ما، بل أيضاً يمكننا الإشارة إلى «القيمة المضافة» التي يمكن أن يحققها امتلاك هذا المنتج، وذلك حسب التصورات التي تعززها الأساليب التسويقية المتبعة في الترويج. يعود تاريخ العلامة التجارية إلى زمن بعيد حين كان أصحاب الحرف في مصر والصين واليونان يدمغون منتجاتهم بعلامات تميزها عن غيرها، ليتطور الأمر إلى نظام لتسجيل العلامة وحمايتها، خصوصاً بعد أن تحولت إلى نمط عابر للقارات مدعوم باستثمارات ضخمة ومخططة تستهلك الكثير من الوقت والطاقة والمال، ما يترك انطباعاً يكون في الأغلب غير واعٍ من المستهلك بأن هذه الثقافة هي أسلوب الحياة المفترض بل والحل الأمثل لكل المشكلات التي يمكن أن يواجهها الفرد. تعبث الماركات التجارية بأوتار كثيرة في نفوس المستهلكين مثل التجديد والثورة والعصرية والسرعة، وهي المفردات التي يجيد تداولها المتحكمون بزمام الألفية الجديدة، ما خلق شرخاً بتنا نستشعره مع كل ما هو تقليدي أو محلي، فنحن نشاهد الحلم بصبغة عالمية شقراء ممشوقة القوام ودون روح ونود امتلاكه بأي ثمن حتى لو كان المتلقي هو مزارع يعيش في إحدى دول العالم الثالث، حيث يجتمع مع جيرانه لمتابعة ما يعرض تلفزيون وحيد في نهاية أسبوع مزدحم بالعمل ذي مردود لا يوازي قيمة الجهد المبذول. من الضروري أن نتوقف عند هذه الثقافة التي أصبحت تحتكر وعي فئات كثيرة في مجتمعاتنا، لأنها تسببت بتغيير كثير من الأفكار بدءاً من مسائل مثل التقدم في السن وانتهاء بالهوية الإنسانية، حتى احتساء نوع من القهوة أو استخدام عطر ما بات يعكس تغيرات اجتماعية كبيرة تحتاج إلى دراسة معمقة لهذا الواقع وابتكار ما يوازي هذه الثقافة بمعايير تنافسية صالحة لمواكبة العصر وإرضاء المستهلك الذي تحوّل وبفضل تكنولوجيا العصر الرقمي إلى علامة تجارية في حد ذاته. [email protected]