الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحق نفسك قبل أن تنساها!

من الطبيعي للمرء في خضم هذه الحياة المتسارعة واللاهثة خلف كل جديد وغريب أن تتأثر شخصيته بالتلاصق مع متغيرات تفرض نفسها على الجميع من دون تفريق، سواء أكان صغيراً يبحث عن خطواته في هذه الحياة أم كبيراً ظن أنه تمكن منها، لتفاجئه بعلوم لم تنر شمس ولا قمر تلك المنطقة المظلمة من مخيلته، فصغُر بعد كبر في لمحة بصر. تطور الشخصية ونماؤها أمر صحي تماماً، ولكن الإشكالية تكمن في احتمال حصول «انفلات» في الشخصية، أي تحولها جذرياً لينقلب المرء إلى شخص آخر لا نعرفه ولا يمت إلينا بصلة، ما عدا الهيئة التي تغمرنا بحالة رثاء لتلك الروح التي ماتت بهدوء من دون أن ندفنها بعد أن نقرأ عليها الفاتحة. وبالنظر حولنا نرى شواهد لأمثلة تجسد تلك الأقصوصة المؤلمة، وكلما اقترب «المتحولون» من دائرة معارفنا تألمنا أكثر لتحولهم الممسوخ، والطامة الكبرى حين يخلع أصدقاؤنا جلودهم ويجددونها بأخرى لا نعرفها قط. ندخل في دوامة طاحنة لا هوادة لها من التساؤلات عن سبب ذلك التحول، فلو شهدنا ظروفاً نفسية أفرزت تغييراً في شخصياتهم لعذرناهم، ولكن أن ينقلبوا إلى أشخاص آخرين لا نعي ماهيتهم، فذلك لابد سيظل لغزاً ينتظر الاكتشاف والفوز بجائزة نوبل. من السهل أن يشتاق المرء لغيره، ولكنه يصعب عليه الاشتياق إلى نفسه التي تركها لواحدة أخرى لا تمت إلى روحه الجميلة بصلة، وهو ما يدفعني إلى الإبحار في محيط هائج من التساؤلات وأنا أرثي أحوال من تحولوا لأناس جدد من حولي، ثم بدا لي أنني لابد بالغت في طرحي، ما جعلني أفزع من التساؤل التالي: «هل سأكون بمعزل عن تحول كهذا مستقبلاً؟». رأيتني بعد تحول ممسوخ أنضم إلى مسخ آخر نجول غياهب المجهول الغارق في ظلام الليل الحالك، قبل أن أعود إلى رشدي فأرتجي: «ما رأيكَ أن نعود ما دام في العمر بقية؟». للتواصل مع الكاتب: [email protected]