السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

من القبيلة إلى الفيسبوك

أعطاني مديري في العمل كتاباً جميلاً على سبيل الاستعارة وحدد لي أن يعود الكتاب خلال شهر إيماناً منه بدعم وتطوير قدرات موظفيه، وأتمنى لكل موظف مديراً مثله فهو بمثابة أخ كبير وقائد وموجه ودافع للنجاح. وبعد قراءتي لأولى صفحات مقدمة الكتاب، بدا في الأفق سؤال مهم يطرح نفسه هو: هل سيعود الكتاب إلى سعادة المدير أم سأظل محتفظاً به وذلك لجمال الكتاب وقوة أفكاره وموضوعيته، وإليك مختصر بعض أفكاره. إنه كتاب يستحق الاقتناء وليس القراءة فقط، يقع في 157 صفحة أبدعه أحد قادة العمل الوطني ورائد العمل العلمي والثقافي والبحثي الدكتور جمال سند السويدي عنوانه (وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك). تناول الكاتب مجموعة من الأفكار الرئيسة، بدأ في المفاهيم ودور وسائل التواصل الاجتماعي، ثم عرض لبعض المؤشرات الإحصائية لأهم وسائل التواصل الاجتماعي والفرق بينها وتطورها، ثم أوضح أهم سمات عصر التواصل الاجتماعي. وبعدها حدد الكاتب واقع العلاقة بين الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي ثم بيّن الإشكالات القانونية المترتبة على الاستخدام وختم بالتوقعات والتأثيرات المستقبلية المتوقعة. كتاب جميل أدعو الجميع للمسارعة في زيارة معرض أبوظبي للكتاب لاقتنائه فغداً الاثنين هو آخر يوم، فالقراءة متعة وضرورة لتطوير الحياة فخير جليس في الزمان كتاب، فلنساهم كأفراد ومؤسسات في تطبيق مبادرة أبوظبي تقرأ، ولنقرأ كلنا من أبوظبي، فأبوظبي هي العاصمة وهي الخير كله للإمارات. قبل أن أبدأ في طرح بعض أفكار الكتاب، اسمحوا لي أن أسجل إعجابي بمؤلفه الدكتور جمال سند السويدي، فهو أحد الكوادر الوطنية التي نفخر بها، حاصل على الدكتوراة عام 1990 من الولايات المتحدة الأمريكية، منحه حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب عام 2008، كما تم منحه وسام أبوظبي لفوزه بجائزة أبوظبي للتميز 2011. وهو حالياً مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية وله العديد من الإنجازات الأخرى. كتاب جميل كصاحبه ومهم، خصوصاً إذا ما عرفنا بأن وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على 71 في المئة من السوق الإعلامي والاتصالي، وأصبح المواطن اليوم مصدراً للأخبار للعديد من المؤسسات الإعلامية، وما حديث الرئيس الأمريكي أوباما في 25 يناير 2011 «نحن أمة من الفيسبوك وغوغل» إلا تعبير عن ظهور عصبية جديدة أخذت بالتشكل وهي عصبية وقبيلة افتراضية صنعتها الإنترنت. استعرض المؤلف في الجزء الأول من الكتاب أهم الدراسات، منها الدور الناشئ لوسائل الإعلام الاجتماعي في التغيير السياسي وتغيير الأنظمة، وخلصت الدراسة بأن وسائل التواصل الاجتماعي ليست العصا السحرية ولكن يمكن أن يكون لها دورها على المدى البعيد والتراكمي. إضافة إلى دراسات أخرى مثل دراسة خالد مصطفى، والتي بينت تعاظم الإشكالات القانونية المترتبة وصعوبة تحديد المسؤولية الجنائية لمستخدمي الإنترنت، والأخطار الأمنية المترتبة مثل سرقة الهوية والإعلانات الوهمية والنصب والاحتيال، بينما دراسة الدكتورة بشرى قد بينت دور هذه الوسائل لا في التغيير ولكن في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي. أوضح الكاتب أن لوسائل التواصل الاجتماعي العديد من الإيجابيات والسلبيات منها تسهيل التواصل بين البشر، وإبراز الفردية وانعدام الخصوصية، وقد أصبحت ملاذاً للأقليات والمستضعفين، وأدى إلى زيادة الوعي وصقل المعرفة وزيادة الثقافة، ووفرت التسلية والترفيه، والتجارة الإلكترونية وأوجدت فرصة التعبير عن الذات، وكسرت احتكار الدول للإعلام، فأصبحت منبر من لا منبر له، وأصبح عدد مستخدمي الفيسبوك 1483 مليوناً يليه تويتر 982 مليون مستخدم يليه غوغل بلس 340 مليوناً ثم لينكد إن 310 ملايين، أي إن واحداً من كل سبعة أشخاص في العالم يستخدم التواصل الاجتماعي. ليس هناك من شك بأن للإعلام الجديد تأثيراً قوياً في المجال السياسي ولكن على المدى البعيد، ففي الانتخابات الأمريكية لعبت دوراً حيوياً في تجميع المتطوعين وجمع التبرعات والاستقطاب، فقد أحدثت تغييراً جذرياً في استراتيجيات الحملات الانتخابية. أما التأثير الاجتماعي، فعلى الرغم من الإيجابيات إلا أن الإنسان أصبح أمام فيض من المعلومات والأفكار وتدفق اتصالي يشكل انتهاكاً عقلياً وضغطاً نفسياً واضطراباً عقائدياً فنحن في عصر الإنسان الإنترنتي وفيه يسمى المدونون بـ «مؤرخي العصر». انتشرت شبكات التعليم وتهددت اللغة الوطنية وتعمقت الفجوة المعرفية بين الأجيال ووجدت العوالم الافتراضية والعزلة، وساهمت في التفكك الاجتماعي فظهر ما يسمى بأرامل الإنترنت نتيجة إدمان أحد الزوجين. لقد ضعف تأثير الأسرة على الأبناء كما أضعفت هذه الوسائل الإبداع وجعلت من الإنسان متلقياً عبر التطبيقات الحديثة ولكنها بنفس الوقت كسرت عزلة كبار السن ودعمت التواصل الاقتصادي وأوجدت أشكالاً جديدة للترويج وانتشار السلع العابرة للحدود، إضافة إلى المشاكل الأمنية. للتواصل مع الكاتب [email protected]