الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

مقتل الراهب

إن مقتل الأب الراهب فرانسوا مراد في دير للرهبان في سوريا بثماني رصاصات أفرغت في جسده ليس حدثاً عارضاً بل هو جريمة عن سبق إصرار وترصد، فليس المستهدف راهباً في دير فقط وإنما تلاحم وطن لطالما كثرت فيه الطوائف وقلت فيه الطائفية. في ذلك الدير الذي بناه فرانسوا بيديه وعلى يسار المذبح تجد بقايا عمود أثري وضعه هناك وعليه نقش عربي قديم مذكور فيه اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تسأله كيف يضع رجل دين مسيحي اسم نبي المسلمين في كنيسته، فيأتيك رده الذي يختزل تاريخ وطن وأحلامه: وإن كنت كمسيحي لا أعتنق الإسلام لكني كسوري أؤمن بالناس الذين يؤمنون به، فهم أهلي ووطني. لكن الراهب وقع بتقاطع نيران أهله الذين يؤمن بهم، نيران الحاكم المستبد: أحكمكم أو أقتلكم .. ونيران المعارضة: تقتلنا ولن تحكمنا. ووقع الراهب بتقاطع المصالح التي لم يسمعها في التراتيل .. أنابيب نفط وغاز بروائحها المختلفة تقاطعت فوق صلاته، عثمانيون وعرب، شرق وغرب، توابل وحرير، فئات ناجية، البحار الخمسة، يأجوج ومأجوج، وكل من أراد الدنيا أو الآخرة جاء ليعمد نفسه بالتراب المقدس. لكن من أمر ذلك المجاهد أن يحول فوهة بندقيته إلى جسد راهب ويطلق النار حتى يكتفي مخالفاً كتاب الله في النص الواضح: «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون»، ومخالفاً أوامر رسوله القطعيه وخلفائه الذين نهوا عن التعرض للرهبان. أردوه قتيلاً، وهو يصلي لهم ليغفر الله خطاياهم ويسامحهم لأنهم لا يعرفون ما يفعلون، لكن هولاء كيف يسامحهم الله وهم يعرفون جيداً ما يفعلون. لقد قتل الأب الراهب وشاهده الكثير و«لم يُشبه لهم» وثقوب ثماني رصاصات اخترقت جسده ويستطيع القتلة أن يتأكدوا ويتيقنوا بأن يضع كل منهم أصابعه الثماني في ثقوب الرصاص، ويرفع الاثنتين الباقيتين كإشارة النصر على جثتي راهب ووطن.