الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

استعادة العرش

فجأة، عاد الملك فاروق إلى عرشه وأشغل العرب بالبحث في تاريخه، وارتفعت مبيعات الكتب التي تم تأليفها عنه - على قلة الجاد منها - وصار مرة أخرى ملكاً مثيراً للجدل. كان الملك فاروق وحقبته الزمنية كتاباً مغلقاً، لم يجرؤ أحد على مقاربته فنياً، باستثناء فيلمين ومسلسلين ظهر فيهما عرضاً، ربما لندرة المعلومات حول تاريخه، خصوصاً أن قلة من الأحياء قد جايلوا عصره، أو أدركوا آخر أيامه. ولولا الشجاعة التي اتسم بها فريق العمل الذي صنع في ٢٠٠٧ مسلسلاً تاريخياً استثنائياً استطاع من خلاله أن يقول ما لن تفلح عشرات الكتب في قوله، ولن يتمكن مئات المؤرخين من إعادة تسليط الضوء عليه كما حدث، لما عدنا بالزمن واستعدنا الجدال حول عرشه. لعب الوقت، كعادته، دوراً كبيراً في استقطاب الناس، وخلَقَ حالة من الحنين للماضي الذي جعله فريق العمل جميلاً، وجعل المشاهدين يقارنونه بأوضاعهم السياسية البائسة، لا سيما مصر التي قادتها ثورة العسكر إلى جحيم معيشيّ لم يُشف منه المصريون بعد، وما زالوا يعانون من نتائجه إلى اليوم. ولعلي أستشهد بمقولة للكاتب السياسي جمال خاشقجي الذي وصف الثورة المصرية ضد مبارك بأنها «ثورة ضد الثورة»، مشيراً بذلك إلى ثورة يوليو ٥٢ التي قادها عبدالناصر، وألغى على أثرها جيلاً مصرياً كاملاً عاش تحت مظلة الحكم الملكي، وشطب كل منتجات تلك الحقبة الزمنية اجتماعياً وفنياً وسياسياً، معتقداً أن آلته الإعلامية ستنجح في ذلك، ومتناسياً ربما أن التاريخ لا يتغير بالتزييف، ولا تتلاشى حقائقه بمجرد أن يقرر أحدهم ذلك. لكن التاريخ لا يستجيب لإرادة الأفراد دائماً، فقد أضاع عمل واحد كل الجهود التي بذلها الإعلام الناصري لتشويه فاروق ومملكته، وخلال بضعة وثلاثين يوماً هي عدد حلقات المسلسل، عاد فاروق مرة أخرى ملكاً، ولو لم يكن لهذا العمل من فضيلة إلا تحفيز شعبٍ على النبش في تاريخه لكفته. هذا لا يقلل بالطبع من أهميته، والجهد الذي جعله شاهداً تاريخياً مهماً، بالإضافة إلى الرؤية التي حافظت على الأداء المتقن، والنص المتزن الذي لم يحرص على تبجيل أبطاله أو إظهارهم بصورة ملائكية، والإخراج الذي حرص على العناية بكامل تفاصيل الزمن، ونقله كما هو لنعيشه ونستمتع به، ونبعث بأسئلة الوقت والحقيقة من قبرها. [email protected]