الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

تحية لكِ ملالا

لأنها لم تكن من ذلك الطراز الذي يحاول أن يجمل أو يرمم الحقيقة، أو حتى يتعايش وسطها بكل استسلام أو مهادنة، أهدتها يد طالبانية رصاصة في الرأس لها مذاق المصادرة غيبتها عن الوعي وكادت تودي بحياتها في أكتوبر العام الماضي قبل أن تتكفل دولة الإمارات بإجلائها إلى لندن لتلقي العلاج. لقد ظنت هذه الميليشيات أن الأمر سينتهي بمجرد أن تغسل يديها الملوثة بدماء الضحية وتحسن دفن الجثة. ملالا يوسفزي، فتاة باكستانية خطيئتها الوحيدة أنها مولعة بالعلم وملتزمة بقضية نيل حصتها الكافية منه، عاشت أعواماً تحت وطأة كابوس طالبان، لكنها وفق إرادتها ورغباتها المعلنة استردت أنفاسها بعد السقطة قبل أن يخنقوها وتتلاشى تماماً. فتاة صغيرة بوجه يفيض طاقة مشعة وتقاسيم مريحة هادئة، لكن لديها من الحزم الفكري ما يجعلها تتولى عفوية كل فتيات المنطقة التي تقطن فيها، بل فتيات العالم أجمع ممن يرزحن تحت ضغط ظروف مماثلة. بات من الجلي أن عمق كلماتها تتجاوز جغرافيا حدود وطنها وهي تقول: «أنا لا أتحدث عن نفسى بل نيابةً عن هؤلاء غير القادرين على التعبير عن أنفسهم». إنها ببساطة خليط فريد من المناضلة والغاضبة والمتحدية والناشطة التي تقود حملة نبيلة لضمان توفير التعليم المجاني الإلزامي لكل الأطفال والنساء المحرومين منه في العالم. قدمت للعالم في ذكرى يوم ميلادها السادس عشر خلال اجتماع جمعية الأمم المتحدة للشباب رسالة واضحة مفعمة بالحماس والصدقية ترفض فيها أن يحكم الفتيات هذا الفصيل وتلك العصابات المتدثرة بالدين والمستعدة أن تضحي بكل ما لديها في سبيل إغراق البلد بالجهل، إن وجود تلك الجماعات بهذه السطوة على مصير ملايين الفتيات وحرمانهن من التعليم يثير قلق الجميع من الغد. حكت ملالا بكلمتها الأخيرة في حكمة أنها لن تنتقم ممن آذوها، إذ ليس الانتقام قيمة في حد ذاته يجب إعلاؤها، بإمكانك أن تقرأ في عينيها قناعة صلبة وهي أن الناس لن يعبروا إلى المستقبل إلا إذا تجاوزوا مشاعر الانتقام، وأن التعليم كقيمة هو ما تدافع عنه، لقد قررت ببساطة أن تصبح أحد أصحاب هذه الأصوات المحترفة التي تشعل أوار هذه المطالب المشروعة من حين لآخر. ما تفعله ملالا هو عمل إنساني تمليه الضرورة، وبالتأكيد فهناك حاجة ملحة لوجود مثيلاتها في العالم كضمانات أمان لمنع الانهيار والضغوطات غير الإنسانية التي تحاصر أوضاع النساء، وشذوذ المواقف التي تستقر بهن في كل مرة على عتبة الإقصاء والتنكيل بمصائرهن. [email protected]