الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

وهم النمو الدائم

إجمالي الناتج المحلي هو مقياس اقتصادي يستخدم لقياس مدى تقدم الدول اقتصادياً، لن أدعي أنني أفهم الكثير هنا، فحقيقة أجهل كثيراً من التفاصيل الدقيقة في موضوع الاقتصاد لكن الفكرة العامة لموضوع الناتج المحلي تجعلني أفكر كثيراً بالأمر، هذا المقياس يستخدم في نشرات الأخبار ليخبرنا مذيع ما بأن البلد الفلاني تقدم مؤشره الاقتصادي بنسبة كذا، بينما تراجع في بلد آخر بنسبة كذا، هذا الرقم الوحيد الذي يستخدم لقياس الاقتصاد لا يخبرنا عن أي شيء حول الوضع الاقتصادي في البلد. قد يرتفع الناتج المحلي في بلد ما، لكن في نفس الوقت يزداد عدد الفقراء أو يزداد الفقراء فقراً، قد يرتفع الرقم، لكنه لا يعني أن الفقراء في ذلك البلد تجاوزوا فقرهم، في الوقت نفسه لا يمكن لأي بلد أن ينمو دائماً وباستمرار دون توقف، لا بد أن يصل كل بلد إلى مرحلة استقرار وربما تراجع، النمو المستمر الدائم ليس إلا وهماً أو سرطاناً فكرياً، مع ذلك يناقش النمو كحقيقة لا تقبل الجدال وكمقياس وحيد لاقتصاد البلدان. السعي للنمو الاقتصادي أدى بالدول حول العالم إلى السعي نحو ما يسمى بالتقدم والرفاهية والنمو، لكن كل هذا كان على حساب أشياء كثيرة، السعي نحو النمو والمزيد منه يعني تعبيد مزيد من الطرق وبناء مزيد من الأسواق والمراكز التجارية والمرافق السياحية والتشجيع على الثقافة الاستهلاكية بأن يشتري الناس المزيد من الأشياء سواء كانوا بحاجة لها أم لا، هذه الحركة الاقتصادية هدفها المزيد ومقياسها هو الناتج المحلي، لكنه مقياس أدى بنا إلى عالم أكثر تعقيداً لأنه لا يفرق بين النمو في الاتجاه الصحيح والنمو في الاتجاه الخطأ. الصين مثال جيد هنا، لأنه بلد ينمو اقتصادياً بمعدلات مرتفعة كل عام ولسنوات عدة، ازداد عدد الناس الراغبين في بيوت أكبر وسيارات بينما كانوا في الماضي يعيشون في بيوت أصغر ويستخدمون الدراجات الهوائية، هذا أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة وهذا يعني مزيداً من محطات الطاقة التي تستخدم الفحم، فالصين هي أكبر مستهلك للفحم، لذلك لا عجب أن تكون هناك حوادث سنوية في مناجم الفحم لكن تأثير الفحم يصل لكل الناس لأن محطات الطاقة تنفث دخانها السام في الجو، أضف إلى ذلك الشاحنات والسيارات العاملة بوقود الديزل والنتيجة هواء ملوث تسعى الحكومة الصينية إلى التحكم بمستويات تلوثه وتخفيضها لأنه هواء يؤثر صحياً على الملايين من الناس، وهذا يعني مزيداً من التكاليف الصحية وخسارة حياة أناس كثر، طاقة بشرية تضيع بسبب هذا الدخان الملوث. هل هذا هو حقاً ما نريده؟ لا يمكن أن نسمي هذا تطوراً ولا تقدماً لكنه في المقياس الاقتصادي هو ارتفاع وتقدم ولذلك هو مقياس غير صحيح لأنه لا يعطي صورة صحيحة عن الواقع، ربما هو المقياس المناسب لمن لديه مصلحة مباشرة في ارتفاعه، لكن لبقية الناس ليس هناك مصلحة في استخدامه، ولا بد من إيجاد طرق أخرى لقياس الواقع. هناك بالفعل مقاييس كثيرة صممها أفراد وحكومات لتجاوز عيوب مقياس الاقتصاد، البعض صمم مقياساً للسعادة، وآخرون صمموا مقاييس للبيئة والتعليم والعدالة الاجتماعية والمستوى المعيشي للأفراد، المهم هنا أن النمو الاقتصادي لم يعد المقياس الوحيد الذي يمكن استخدامه، بل أجد أن الناس عليهم إعادة التفكير في فكرة «التقدم» فمظاهر التقدم التي قد يفخر بها البعض قد لا تكون إلا مظاهر خادعة. قد يعيش فرد ما في بلد فقير وفي بيت متواضع، لكنه يجد سعادته ورضاه في حياته لأسباب مختلفة، لا يمكن أن نضع مقياساً واحداً للسعادة، لكن هذا حديث آخر وموضوع مختلف، لذلك للحديث بقية. [email protected]