السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

حقوق الإنسان وتقدم المجتمعات

«لا تقدم دون امتلاك رؤية واضحة وفعالة لحقوق الإنسان»، هذه هي محددات تقدم المجتمعات في العصر الحديث، خصوصاً أن الأبحاث العلمية التي تناولت التأثيرات النفسية لرعاية هذه الحقوق وارتباطها بدرجة انتماء الفرد للمجتمع أكدت على أنه كلما حرصت المجتمعات على رعاية حقوق الإنسان كلما كان الفرد أكثر انتماء وإخلاصاً لمجتمعه، ومن ثم يسهم وبقوة في عمليات البناء والتنمية. ولعل هذه الحقيقة هي التي جعلت المجتمعات التي اهتمت بملف حقوق الإنسان هي التي احتلت المراتب الأولى بين المجتمعات الأكثر تقدماً والأكثر رفاهية بين شعوب الأرض. وإذا كانت مفاهيم حقوق الإنسان قد ظهرت خلال القرن الماضي كإحدى الأسس التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة، فإن هذه المفاهيم وما تعبر عنه من حقوق عبر عنها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان عندما حرص على الحق في المساواة والحرية وصون الكرامة الإنسانية. ولهذا امتلكت المجتمعات الإسلامية رؤية محددة حول حقوق الإنسان وإن كانت هذه الرؤية أصابها بعض الغيوم جراء ما عانته من تراجع ثقافي واجتماعي خلال الماضي البعيد. وفقاً للمفاهيم الحديثة تنقسم حقوق الإنسان إلى خمسة فروع أساسية، تتمثل في الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن ثم فإن تنوع هذه الحقوق وانتشارها في جميع المجالات جعلتها من أبرز حوافز التنمية المجتمعية. وتختلف وفقاً لرؤية المجتمعات لهذه الحقوق ودرجة الاهتمام بأي منها على حساب الأخرى، بمعني أن هناك مجتمعات تهتم بحق الإنسان في التعبير عن نفسه دون أي قيود في المرتبة الأولى، بينما مجتمعات أخرى تهتم أكثر بحق الإنسان في صون كرامته، وأخرى تهتم بحق الإنسان في المساواة بين جموع البشر. وهو الأمر الذي يعود في حقيقته إلى انتشار محددات وماهية المجتمعات ذاتها من حيث مكونات المجتمع وانتشار مستويات الثقافة بين أفراده، وإدراك حقيقة مؤكدة أن حقوق الإنسان بما تمثله من حريات تعني ضرورة إدراك أن أي حرية لها ضوابط بحيث ألا تؤدي ممارسة الحرية إلى الاعتداء على حريات الآخرين. ولقد قامت رؤية المجتمع الأمريكي لملف حقوق الإنسان وفقاً لطبيعته ومكوناته الرئيسة، خصوصاً أنه مجتمع خليط من أجناس وعرقيات مختلفة، ومن ثم كان لابد من وضع أسس لهذه الحقوق، تقوم على إطلاق الحريات العامة والعمل على تدعيمها بنشر الثقافة والوعي بالأسلوب الأمثل لدعم هذه الحريات والحقوق، وانتهج المجتمع الأمريكي أسلوب التدرج في رعاية هذه الحقوق حتى يتواكب إطلاق الحريات مع عمليات نشر الوعي بكيفية ممارستها. وإزاء هذه الحقيقة، فإن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بما تمتلكه من رؤية لملف حقوق الإنسان، والتي قامت على مستويين..الأول مبادئ القانون الطبيعي الذي حرصت من خلاله الأنظمة الحاكمة على المساواة بين المواطنين، والثاني مبادئ الدين الحنيف التي اهتمت برعاية حقوق الإنسان ووضعت محددات متكاملة لأسلوب ممارستها، تقوم بالعمل على تدعيم هذه الرؤية بنشر الوعي بهذه الحقوق وأسلوب ممارستها، والعمل في الوقت ذاته على نشرها بين مكونات المجتمع، وفقاً للمفاهيم الحديثة التي لا تختلف كثيراً عن المفاهيم والمبادئ التي قامت عليها هذه المجتمعات منذ الماضي البعيد، خصوصاً أن ممارسة الحريات دون وعي يمثل في ذاته إهداراً لأحد أبرز حقوق الإنسان وهو حق الإنسان في المعرفة.