الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ما لم يقله الصمت

من يدرك يا ترى ثقافة الصمت؟ من يدرك أن الصمت بين الكلمات هو ما يشكل جملنا ويبث فيها الأحاسيس؟ الصمت ذلك العجيب الساكن في اللحظات في الحروف في الأصوات، بين أنفاسنا بين أحاديثنا، الصمت استعادتنا كثيراً من نبضاتنا، استعادتنا الهدوء من ضجيج الأفكار ومن تأثرنا بالضجيج الذي لا ينتهي في كل ما يحيط بنا. من يدرك قيمة الصمت وقوته أحياناً حين يكون، هو من يدرك معانيه حين يضج وحين يحرك الأفكار وكأنه اختزال للكثير وكأنه يتشكل انتظاراً أحياناً فيكون وكأنه دقات الساعة والفترات التي تكون بين ثانية وثانية أخرى في الحياة. قيل إن الصمت حكمة وقيل إنه مساحة نتنفس من خلالها كي نكون أقوى، وإنه بداية لكثير من الأحاديث، وإنه من أشد الوسائل قوة لإضعاف من ينفعل في وجهك، وإنه أقوى الردود على الحماقات. الصمت لو أدركنا وجه من وجوه الحياة لا ينتهي، ولغة أخرى لا يملكها من لا يملك نفسه، ولا يملكها من لا يعرف كيف يتحكم بأعصابه وانفعالاته حين يحتاج الأمر ذلك. قد يكون الصمت قمة في البلاغة وقد يكون عجزاً أحياناً. إنه يتشكل مع المواقف كما يشاء ويبني ما يشاء بين المرء ونفسه وبينه وبين الآخرين، وكم من كلمة خذلها الصمت فخرجت من فم صاحبها فأودت بمكانته وكم من حكاية أنهاها الصمت وكان أكثر تأثيراً من الكلام بكثير. الصمت حفظ للألسنة مما لا يليق ووقوف في وجه شهوة الكلام يحتاج الكثير من الهدوء الداخلي والصبر والاتزان، الصمت حالة من الترقب به يقف صاحبه على المنبر وقصيدة بلا حروف ولا وزن ولا قافية، الصمت سيد الموقف ولحظة تشكل المعنى ونظرة جديدة للحياة ولحظة الإنصات التي نحتاجها لنشكل التقبل وتلقي رؤية الآخر، وهو أن نعطي أنفسنا فرصة لنرتب الأفكار أو نشكل الجديد منها. الصمت معنى بحد ذاته بل هو قاموس من المعاني يسكن في التأمل ويسكن في إعادة إعطاء الحياة فرصة لتتشكل أمامنا من جديد دون حكم مسبق ودون شوائب قد تتلف الصورة النقية أمامنا بلا كلام، ولو أنني تركت هذه المساحة بيضاء صامتة ربما كانت الفرصة أكبر لأن تحيا أنت معنى الصمت. [email protected]