السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

المساواة المطلقة ظلم

 هناك فلاسفة من أنصار التفاوت يرون أن العدالة الحقيقية تعني احترام التفاوت القائم بين الناس، وأيضاً في إقامته بينهم لأن الأفراد يتباينون منذ الولادة في المقدرات العقلية والجسمانية كمستوى الذكاء والقوة، وعليه فليس من الملائم التسوية بين من يمتلك قدراً كبيراً من تلك الملكات ومن يمتلك القليل، بل إن العدل لا يتحقق إلا بالتمييز بينهم، وعلى هذا المبدأ قامت المجتمعات اليونانية القديمة، حيث ينادي أفلاطون في جمهوريته الفاضلة بالتمييز بين صنفين من الناس، العبيد بقدرات عقلية محدودة وقد وجههم ناحية الأعمال اليدوية، والأسياد الذين يملكون القدرات العقلية الهائلة وأوكل إليهم العمل الفكري كالاشتغال بالفلسفة، قانون الطبيعة يفرض نفسه ولا بد من احترامه، ومساواة الناس في وجود هذا التباين يعد من الظلم. لكن هناك من يقف ضد هذا التوجه وحجته أن البعض سيتخذ من التفاوت الطبيعي ذريعة لتحقيق مآرب أخرى تحدث الشقاق كالتفاوت الاجتماعي المصطنع من قبل طبقات اجتماعية مسيطرة، ولهذا ينبغي تحقيق المساواة المطلقة بين الناس، فالتفاوت بين الأفراد يعود في معظمه إلى تأثير المجتمع لا إلى تأثير الطبيعة، الطبيعة لم تتكفل بخلق طبقة الأسياد وطبقة العبيد مثلاً، وليس هذا إلا صناعة اجتماعية. وقد قال شيشرون في إحدى خطبه «الناس سواء وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان»، ونرى هذا الموقف يتزايد عند فلاسفة العصر الحديث، ومنهم بردودن الذي يذهب إلى أن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية، بينما يدعو كانط في كتابه مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيه العلاقات على الديمقراطية والمساواة، وهكذا فإن الاعتماد على التفاوت في تحقيق العدل فيه ظلم كبير برأيهم. والحق أن المساواة التي يأملها الإنسان لا تتنافى مع التفاوت الصادر عن الطبيعة، فالعادل من الناس هو المستقيم الذي يسوّي بين الناس أمام القانون ويحترم حقوقهم دون تدخل الاعتبارات الشخصية ولا يظلم في حكمه أحداً، وهكذا سوف تظهر الكثير من الصفات الجيدة كالكفاية والاستحقاق وتختفي الكثير من الصفات الرذيلة كالتمييز العنصري، والواقع أنه لا يمكن تحقيق المساواة المطلقة بين الناس لأنهم في الأصل يختلفون في القدرات الجسمانية والعقلية والكفاءات وما يبذلونه من مجهود، ولا يمكن إلغاء أو تجاهل ظاهرة التفاوت من حياة البشر لأنها طبيعة حتمية فيهم، وعليه، فالعدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون وفي الفرص، على أن تتم مراعاة تلك الفروقات الفردية في المواضع الحياتية الملائمة.