الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

داء التشدُّد يستشري والوسطية دواء وانتصارها حق واقع

أرجع مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي إبراهيم علام حالة التشرذم والتفرق التي يعانيها العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، إلى انتهاج الأفكار المتشددة التي وطئت أرضاً ليست بأرضها، واصفاً المنهج الوسطي بأنه الدواء لما أصاب الدول الإسلامية من داء. وأفاد علام بأن الإسلام الوسطي يلعب دوراً كبيراً في الاستقرار المجتمعي للدول الإسلامية، مشدداً على أن منهج الوسطية سينتصر في النهاية رغم التجييش ضده بأفكار التشدد البغيض. وزار مفتي الديار المصرية للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف مساء أمس الأول ضمن برنامج ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة العلماء. وبحسب علام، فإن كافة العلماء الضيوف الذين قدموا للدولة لديهم فكر مستنير، وأصحاب منهج معتدل يحقق الاستقرار للأمة الإسلامية، وهو مهم جداً لوضعنا الحالي، وبالتجربة التي عايشناها السنوات الماضية تبين أن هذا المنهج هو الأفضل لاستقرار مجتمعاتنا الإسلامية. وفي سؤال لـ«الرؤية» حول إمكانية توحيد منابع الفتوى الأساسية في العالم الإسلامي من جهة، وتوحيدها داخل الأقطار العربية نفسها سواء في مصر أو الإمارات من جهة أخرى، أوضح علام أن الأهم من توحيد الفتاوى نفسها حيث من الصعب تعميم الفتاوى التي تختلف باختلاف الحال والزمان والأشخاص والمكان، هو توحيد صناعة الفتوى، مضيفاً أن الفتوى صناعة ثقيلة تحتاج إلى مقومات. وأوضح أن الفكر عامة يلعب دوراً كبيراً في الاستقرار المجتمعي، وأن ما نعانيه من حالة عدم الاستقرار في أمتنا العربية والإسلامية، يعود إلى الاتجاهات الفكرية التي وردت إلينا. وعرج إلى تجربة مركز الفتوى الإماراتي، موضحاً أنه اتجاه صحيح من الهيئة التي تسعى لتحقيق هذا النهج الوسطي، من خلال اختيار أكفاء للفتوى والتصدي للأفكار التي تضر باستقرار المجتمع. من ناحيته، أكد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الدكتور حمدان المزروعي أن دعم الإمارات لمصر جاء من قبيل دعم الأخ الأكبر دون منّ أو منة، مضيفاً: نحن نفخر بأن نرى قيادتنا وهي تمد يد العون والمساعدة للشقيقة مصر، وأن ما حققه المصريون هو مفخرة نعتز به. وأضاف المزروعي أن ما يحدث اليوم من تواصل وتقارب بين مصر الأزهر والإمارات هو أمر طبيعي يفرضه علينا الدين والثقافة والتاريخ، ونسأل الله أن يحفظ مصر وشعبها، موضحاً «مصر هي الأخ الكبير للدول العربية، وما يزعج المصريين يزعجنا». ولفت إلى أن لمصر مكانة خاصة انتقلت من الكبار لتتوارثها الأجيال، وأن حب قيادة الإمارات وشعب الإمارات لمصر حب صافٍ ممتزج بشغاف القلوب. وتقدم المزروعي بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الديار المصرية، لتلبيته الدعوة وزيارته لدولة الإمارات، ونؤكد أن اهتمامنا بمصر وأهلها اهتمام تاريخي بدأه المغفور له الشيخ زايد الذي كان محباً لمصر وشعبها، وترجم حكامنا هذا الحب منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بمبادرات متعددة. وأوضح أن هذه الاهتمامات استمرت على يد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله الذي سار على نهج والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، في حب مصر وشعب مصر. وتابع: كما أننا لا يمكن أن ننسى فضل مصر ورجالها الذين أثروا في كافة المجالات ومنها الشؤون الدينية، ولا يمكن أن ننسى دور علماء الأزهر وعلماء مصر وتعليمهم لأبناء دولة الإمارات العلم الشرعي المعتدل، وترسيخ ثقافة الاعتدال والوسطية، والزي الأزهري كان مرتسماً في ذاكرتنا منذ أن كنا صغاراً. من جانبه، توجه مفتي الديار المصرية بالشكر لقيادة الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، الذي سار على نهج والده الذي كان له فضل وأيادٍ بيضاء في مصر وغيرها، من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، ولإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للحكام، وللفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولشعب الإمارات. وأوضح أنه يوجد في جمهورية مصر العربية مشاريع ضخمة تحمل اسم المغفور له الشيخ زايد، وأسعدتنا هذه الزيارة التي تتزامن مع استضافة العلماء التي تصب في «العلم» ولا يمكن لأمة أن تتقدم إلا بالعلم. وبدأ المزروعي اللقاء بسؤال حول انطباع المفتي حول مركز الإفتاء والشؤون الإسلامية، ورد المفتي بأنه اطلع على تجارب وبرامج تتماشى مع متطلبات هذا العصر، وحققت طفرة في ذلك وخاصة في مجال الإفتاء. وأبدى مفتي الديار المصرية اندهاشه من بلوغ أعداد فتاوى مركز الإفتاء التابع للهيئة في اليوم الأول من رمضان 3400 اتصال، مقارنة بالفتاوى التي تقوم بها دار الإفتاء في جمهورية مصر العربية، موضحاً أن الوضع في مصر يختلف نوعاً ما، حيث توجد عدة قنوات مسموح بها في الإفتاء، ولكن دار الإفتاء المصرية هي الجهة الرسمية في الإفتاء بمصر. الوسطية في الفتوى وأكد الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الديار المصرية أنه للوصول إلى نتيجة الوسطية في الفتوى فإننا نحتاج إلى العقل الفقهي أو الفكري المعتدل الذي استغرق زمناً طويلاً للقراءة الحقيقية والنضج من العلم والجهد والفكر المدروس، الذي يراعي حاجة الناس ولا يضيق عليهم في أمورهم وأيضاً لا يتساهل معهم. وبين أن ما نعانيه الآن من تخبط فكري ناتج من منهج تحصيل المعلومات البعيد عن تحصيل العلم، وبالتالي نقع في مشكلات بسبب غياب المنهجية، فقد يكون الشخص لديه رصيد معلوماتي غير مستند للعلم. وأضاف أن مصر دخلتها بعض الحركات الفكرية الشاذة، لكن تصدى لها الأزهر من خلال وسطيته واعتداله، وذلك حرصاً على أن يتدرج الطالب الأزهري في تلقيه العلوم الشرعية، حسب المراحل العمرية التي يمر بها وبما يسمح لعقله بالاستيعاب، وفي الجامعة يتم إطلاع الطالب على قدر أكبر، ثم تأتي مرحلة تبادل الفكر والرؤى من خلال الدراسات المقارنة. وأضاف أن العلم الشرعي هو مقدمة لعملية الفتوى، وهي من الصناعات الثقيلة التي تحتاج إلى تضافر الجهود، وأجمع أصحاب الفكر الوسطي على أنه ليس كل مفتٍ يصلح للقضاء والعكس، بمعنى أن الإقناع والفتيا يحتاجان إلى تدريب وتعليم. وتابع «نحن في زمان توفرت فيه المعلومات، ولكن دون علم فقهي، أو مصاحبة العلماء، وبالتالي فإن المنهجية غابت بالفعل بسبب غياب مفهوم تحصيل العلم». وبين أن تقنين الإفتاء يحتاج إلى معرفة ظروف كل مجتمع، فما يصلح في قطر إسلامي قد لا يصلح في قطر إسلامي آخر، وهذا الأمر ليس بجديد. وفي مصر على سبيل المثال، نسعى لخلق أكفاء في الفتوى، حيث يجري تدريب طالب العلم على الإفتاء لمدة ثلاث سنوات منها سنتان في علوم الفتوى المختلفة، وسنة يجلس في الفتوى المباشرة، حيث يلازم أحد المفتين ويراه كيف يفتي، ويناقش الطالب في أسباب إفتائه بذلك، ويسأله عن رأيه، وإن احتاج تعليماً وإفهاماً قام بذلك. وأشار إلى أن القنوات الفضائية عليها ألا تسمح لأحد بالتصدي للفتيا على شاشاتها، إلا باجتياز هذه الدورات، وأن الأفكار المختلفة التي أرادت تخريب الأزهر والتأثير في منهجه الوسطي التي تبناها لأكثر من ألف سنة، عجزت عن قهر الأزهر الشريف، رغم ما قامت به، والأزهر ظل وسيظل شامخاً، وقد تعافى الأزهر بفضل دعم ومساندة الشعب المصري وكل المسلمين على وجه الأرض، ومن بين الداعمين للأزهر دولة الإمارات. واستطرد: لو سلمنا أن الأفكار المتطرفة والمنحرفة أرادت التأثير في الأزهر وهدمه فقد عجزت عن تنفيذ ذلك رغم ما قامت به من بذل الأموال وتجييش الجيوش، والهجوم على علمائه وقياداته، والأزهر سيظل باقياً. وفيما يتعلق بالتنظيمات التي ظهرت أخيراً وتنطق باسم الإسلام، أفاد مفتي الديار المصرية بالقول: نحن في دار الإفتاء أدنا ما تقوم به داعش وبوكو حرام، لأن ما تستندان إليه من فتاوى ليس من الإسلام في شيء، وليس له سند صحيح، والإسلام جاء رحمة للعالمين، ولم يأت لإيذاء العالمين، والقتل حدده الرسول صلى الله عليه وسلم بأحد ثلاثة من الأمور التي أقرتها الشريعة الإسلامية. والمسلم لا يجوز الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال، فنحن لا نعيش في غابة، ولكن في دولة مؤسسات ويجب تطبيق المنهج الوسطي. ومن المستنكر تفزيع الناس، وقتلهم، وعلى المجتمع التساند ومؤازرة العلماء، لأن العلماء قادرون على إزالة الشبهات. وإنهاء الحركات غير السوية يتطلب أن نعيش في دولة مؤسسات ودولة قانون يجب أن تحترم قوانينها، وإننا نؤكد أنه لا يحل دم امرئ إلا بحقه، ولابد من التوصل إلى أسباب المشكلات، وحلها، وعلاج أي مشكلة علينا البحث عن أسبابها.