السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

العام المقبل سيكون لنا وليس علينا

انتهى العام، ودعناه بكل ما فيه من أفراح وأحزان، ويأمل كل منا في الأفضل في العام الجديد. غير أن العام الذي نودعه لم يمكن أحداً منا من فصل نفسه عن كل ما يدور من حوله، فحصاده الحقيقي أنه من الصعب فصل العام عن الخاص، فالأمر متداخل رغماً عنا جميعاً، لأنه قد تعدى الشعارات أو الإيمان بأفكار خاصة، بل قفز بنا إلى ما هو فوق العروبة والقومية ووحدة المصير وكل ما تربينا عليه، لأنه ببساطة قد انسحب على العقيدة والهوية، سمات الأرض التي تحتضنا وتمنحنا جيناتها منذ آلاف السنين. ها هو العام ينتهي ولم يترك عربياً واحداً من دون جراح بصرف النظر عن البلد أو الديانة والمذهب. فعلى المستوى الإنساني، باتت صور الدمار والضحايا والعنف والتمثيل بالجثث واللعب بالرؤوس المقطوعة وانتهاك الطفولة وبيع النساء في سوق النخاسة تحاصرنا ليل نهار .. اللاجئون، والأطفال المهجرون، صراخ الأمهات وأنين المصابين، فزع الصغار وصيحات غضب الرجال، كلها تصم الآذان وصارت جزءاً لا يتجزأ من أيامنا. الإخوان، السلفيون، القاعدة، داعش، جماعات الإسلام السياسي على اختلاف الأسماء والمذاهب والانتماءات وغيرهم ممن لم يتمكنوا من الأرض حتى الآن ولن يتمكنوا، لكنهم قد أساؤوا للإسلام كما لم يساء إليه من قبل، وأتصور أن ديننا لم يمر بمحنة مثل التي يمر بها الآن، مما حولنا إلى مدافعين عن عقيدتنا بدلاً من أن نكون مبشرين بها عبر سلوكاتنا وأخلاقنا وأسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض، كما مع الآخر الذي لم يعد يعرف من يصدق، نحن أم هم بكل ما يقترفونه من جرائم باسم الدين الذي هو منهم براء. الأوضاع الاقتصادية، المناطق التي تم الاستيلاء عليها من قبل أغراب غزاة، حيث من المستحيل أن يكونوا منا أو ينتمون إلى الأرض التي ننتمي إليها، الصراع على النفط والحبوب والفوسفات وثروات البلاد، محاولات فرض فكرة التقسيم، الرغبة في تحويل ملامح الأوطان والتي هي جزء من ملامحنا إلى مسخ لا نعرفه ولن نقبله. جميعها أحداث نراها ونعيشها، وعلى الرغم من ذلك لا نصدق ولا نرغب في أن نصدق حماية لأنفسنا حتى نتمكن من المضي للأمام بإصرار ففي نهاية الأمر لن يصح إلا الصحيح. على وجه اليقين، إن العام قد حمل لنا على الصعيد الشخصي العديد من الضحكات والنجاحات وتحققت بعض الأماني، كما حمل لشعوب بدايات واقع جديد يمكن أن تنطلق منه نحو غد أفضل، إلا أن مساحات الوجع بشكل أعم كانت أكبر وأكثر إيلاماً. ربما هذه من المرات النادرة التي نودع فيها العام ولدينا مشاعر واحدة بأننا نريده أن يمضي، وأن يأتي الجديد حاملاً معه نهاية لهذا الهوس الذي استشرى من حولنا. عام نحتفل فيه بالنصر على كل من تطاول وتجرأ واحتل وذبح وهتك الأعراض متاجراً بأسمى وأغلى ما فينا من قناعات وإيمان. ننتظر عاماً من دون شعارات ولا مزايدات بالمؤتمرات والندوات واللقاءات الإعلامية الهشة. عام نتمكن خلاله من المواجهة كل حسب مكانه وقدرته وعلى مختلف المستويات أمنياً وفكرياً وإعلامياً، في البيت والمدرسة والشارع، في المقاهي والأحزاب والمساجد والكنائس. بالفعل ننتظر الكثير من العام الآتي، وبالقدر نفسه من أنفسنا حكومات وشعوباً. أما العام الذي ولى فلم يكن كله أحزاناً، لأننا تعلمنا منه أننا لو لم نبدأ على الفور في مواجهة كبيرة في كل الاتجاهات فلن نتمكن من حماية أولادنا مما جعلنا نشعر بالصدمة بالأمس وبحجم الألم الذي يلفنا اليوم، كما تعلمنا منه أن العام المقبل لابد وأن يكون لنا وليس علينا. وكل عام وكل إنسان على هذه الأرض في سلام. [email protected]