الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحلم المشروع

من حق كل إنسان أن يحلم بالحرية فهذا حلم مشروع لا يستطيع أحد أن يمنع آخر من الحلم به. الحرية كلمة ذات بريق ولمعان تغنى بها الإنسان في كل زمان كل مكان، هي ملكة متوجة على عرش القلوب والعقول، تأثيرها كفعل السحر، هي منتهى طموح الإنسان، لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها .. ويضحي في سبيلها بالغالي والنفيس. قد يتخلى أو يستغني الإنسان عن الأكل والشرب، لكن قضية الحرية مصيرية، قضية حياة أو موت، كافح الإنسان من أجلها طوال حياته. فالحرية هي إحدى أهم قضايا الشعوب وهي من الأوتار المهمة التي يعزف عليها السياسيون، فالكل يطمح لاستقلال بلاده، وأن يكون شعبه حراً. وأبسط تعريف للحرية هو غياب الإكراه، كما أنها تمثل إمكانات الفرد دون جبر أو ضغط خارجي في اتخاذ القرار. وتمثل أيضاً التخلص من العبودية لشخص أو جماعة. وللحرية أنواع، منها الداخلية والخارجية .. الداخلية تمثل حرية الفرد الشخصية في إبداء الآراء ووجهات النظر، أما الخارجية فهي حرية المجتمع أي الحرية العامة. وتنحو العديد من الفلسفات والأديان والمدارس الفكرية إلى أن الحرية جزء من الفطرة البشرية، فهناك أنفة طبيعية عند الإنسان لعدم الخضوع والرضوخ، والإصرار على امتلاك زمام القرار. والحرية تتعدد بتعدد وجهات النظر إليها .. منها الحرية السياسية والحرية الاقتصادية والحرية الاجتماعية والحرية الدينية وغيرها .. وبسبب تلك اللفظة الساحرة ومذاقها المثير تعددت الأقوال بشأنها، كل الناس يتحدثون عنها، الرجل العادي والفيلسوف والسياسي ورجل الدولة .. حتى رجال الدين. ومن أشهر الأقوال حولها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. وقول فولتير: أنا لست من رأيكم ولكني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية. وقول إبراهام لينكولن: من ينكر حرية الآخرين لا يستحقها لنفسه. وقول المهاتما غاندي: الحرية هي روح الإنسان وأنفاسه، فكم ثمن هذه الأشياء. ومن المفاهيم المغلوطة لدى كثير من الناس أن الحرية مفهوم مطلق متحرر من كل قيد وإلزام .. وهذا من الأخطاء الشائعة عن الحرية، فالحرية التزام ومسؤولية .. وحريتي تنتهي عند بداية حرية الآخرين. أما عن مفهوم الحرية في الإسلام، فقد اهتم بها الإسلام وجعلها حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان من دون الحرية، وحين يفقد المرء حريته يموت داخلياً، وقد بلغ من تعظيم الإسلام للحرية أن جعل السبيل إلى إدراك الله هو العقل الحر الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية كالمعجزات والخوارق. وسياق الحديث عن الحرية يستدعي الحديث عن العبودية، فالإنسان يتشوق دائماً إلى الحرية، ويسعى بكل ما أوتي من قوة للهروب والانعتاق من العبودية، فالحرية بالنسبة للإنسان قيمة لا تعدلها قيمة. ولكن الأمر مختلف تماماً في نظر الإسلام في العلاقة بين الحرية والعبودية، ففي نظر الشرع أن الإنسان خلقه الله ليكون عبداً خالصاً له (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). وقد وصف الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أكمل حالاتها عندما قال (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) الإسراء 1. والعبودية الشرعية الاختيارية هي أسمى صور الحرية، فكلما أحسن الإنسان في الإتيان بالعبودية ترقى في منازل الحرية الحقيقية. فالحرية الحقيقية تكمن في العبودية لله، لذا يتبين أن الدعوة للحرية يجب أن تكون مرتبطة بالدعوة للعبودية لله، فلا خير في دعوة لحرية لا تكون العبودية لله تعالى طريقاً لها.