السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

براعم «داعش» ترتدي ملابس «الراب» وتحرّم الفن

كل من يريد أن يدلي بدلوه في موضوع الإرهاب لن يتمكن من الإفلات من دائرة التكرار، حيث إن الحل الأمني يمثل حالياً الركيزة الأولى في تهدئة كل ما يجري في المنطقة، بينما من يرغب في مناقشة كيفية تلافي إعادة إنتاج التشدد والأفكار الهدامة فسيجد نفسه في مأزق حقيقي، فربما الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر مما نراه ضرورياً أو ما تعلمنا أنه ضروري، يحتاج إلى تضافر قوى عدة واجتهاد بحثي يمكننا من التوصل لنتائج واضحة يمكن الاسترشاد بها. إن الحادث الإرهابي الذي وقع في تونس وأودى بأرواح الأبرياء سواء من التونسيين أو السياح، لهو خير دليل على أن هذا الملف قد تعدى إزاحة الإسلام السياسي عبر الصناديق أو من خلال العزل السياسي بخروج الجماهير للتعبير عن إرادتها. خصوصاً وأن حجة الكفار والصليبيين وغزوة المتحف التي أذاعها تنظيم «داعش» لم تقنع أحداً، فتونس ليست البلد الوحيد الذي يحظى بنسبة عالية من السياح، لكنه البلد الذي أزاح التيار الإسلامي من المشهد عبر التصميم وصناديق الاقتراع. الأدهى قد نجده في هذا المثال: بالمصادفة أثناء حديثي مع ابني عرفت أن والد صديقه يرغب في ترك التدريس الجامعي نهائياً بعدما أمضى سنوات طويلة جداً يعطي ويسهم في تخريج أجيال. السبب أن الكلية التي يدرس بها علم الحضارات والتاريخ الكائنة في إحدى المناطق الملاصقة لباريس، لم يعد، بحسب ما يقول، لديه أي قدرة على ضبط المحاضرة أو شرح المواد بالكيفية التي ينبغي أن تشرح بها، أما لماذا؟ فالسبب أن الكثير من الطلاب والطالبات يقاطعونه ويعترضون عليه بدعوى أن ما يقوله حرام ولا يجوز تدريسه. في علم الحضارات والتاريخ أصبح الحلال والحرام كيفما يرونه سبباً كافياً لعدم التعاطي مع الدروس. حتى الأبحاث الصغيرة التي يكلفهم بعملها، يفاجأ طبقاً لروايته، بأنها مملوءة بالتعليقات الغريبة حول الحضارات حتى تأتي نتائج البحث في الغالب معترضة أو تحض على وجود المرأة في المنزل حتى إنهم يقيّمون بعض الحضارات بالأسلوب الذي تعاملت به مع المرأة. هكذا الخيار أمامه إما رسوب الطلبة أو ترك التدريس، فبدأ يفكر في الثانية، وقد عقد العزم تماماً بعدما كان يتحدث إلى أحد الطلبة ممن يرتدون (الجنيزـ التي شيرت ـ غطاء الرأس بالمقلوب) وتطرق الحديث إلى الموسيقى فرد عليه الشاب قائلاً لا تحدثنا عن مكانة الموسيقى في الحضارات، فالموسيقى من الأصل حرام في حرام. الأستاذ قال له شاب يرتدي ثياب (موسيقي الراب) ويرى أن الموسيقى حرام؟ فأجابه لا علاقة لما يقبله ويرفضه عقلي بما أرتديه، فلباسي حرية شخصية أما الحرام والحلال فهذه عقيدة دينية ثابتة لا يجب التحاور حولها. هؤلاء طلاب يتعلمون في إحدى الجامعات الفرنسية، وهذه هي عقليتهم ورؤيتهم للأمور يرون أن الحضارات التي اهتمت بالفنون هي حضارات كافرة وكل ما نتج عنها حرام وإلى النار. هؤلاء هم الوقود الحقيقي للقاعدة وداعش وكل التيارات التي تنتهج العنف سبيلاً لفرض رأيها وإرادتها لتحقيق أحلامها ومطامعها. نتساءل كيف ينضم أوروبي أو عربي عاش في الغرب إلى داعش؟ ها هي الإجابة بسيطة جداً، فالأذهان القادرة على جعل أستاذ جامعي يفكر في اعتزال مهنته، ما هي إلا براعم جاهزة للاستشهاد والذبح وقتل الأبرياء. كيف يمكننا احتواء كل هؤلاء الشباب المغرر بهم؟ ومن أين يجب أن نبدأ؟ وهل يجوز التغافل عنهم ثم القبض عليهم بعدما تتلوث أيديهم بالدماء، والعمل على إنقاذ الصغار من نفس المصير؟ [email protected]