الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الصباح الجديد

يقول الشابي في واحدة من أجمل قصائده: «عذبة أنت كالطفولة، كالأحلام، كاللحن، كالصباح الجديد كالسماء الضحوك، كالليلة القمراء، كالورد، كابتسام الوليد» الله الله الله، ما أجمل هذه الأبيات! وما أجمل مفرداتها! فعندما تجتمع الطفولة والأحلام واللحن والصباح الجديد والسماء الضحوك والليلة القمراء والورد وابتسامة الوليد في بيتين اثنين، فهذا يقفز بهما دون شك إلى صدارة أبيات الوصف اللطيف والغزل العفيف، وهما بالنسبة لي أقرب إلى النفس وأحبّ إليها من الوصف الفاحش والغزل الماجن. لسنا هنا في معرض دراسة القصيدة ومحسناتها البديعية، ولكني سأحتاج أن أتوقف قليلاً عند مكامن الجمال التي أشار إليها الشاعر في أبياته المذكورة أعلاه، والتي أجدها دقيقة جداً وصالحة لكل زمان ومكان. فهل تتخيل عزيزي القارئ أن تجد إنساناً طبيعياً لا يحب الليلة القمراء أو ابتسامة الوليد مثلاً؟ ولاحظوا هنا أني أتحدث عن الإنسان السوي الذي لا يعاني أي مشكلات نفسية تؤثر في مشاعره ورغباته. وحتى لا نتشتت أكثر، سأتوقف عند جزئية «الصباح الجديد» التي قفل بها الشاعر بيت قصيدته الأول، وسأطرح عليكم هذا السؤال: ما هي أوجه الجمال في الصباح الجديد؟ البدايات، الصفحات الجديدة، البيضاء، الخالية من أي كلمات أو سطور، والمؤهلة لاستيعاب فقرات أكثر جمالاً من تلك التي سبقتها إلى الصفحات الأولى؟ أعتقد ـ والله أعلم ـ أن كل هذه الإجابات صحيحة، وهي مجتمعة تمثل أوجه الجمال في الصباحات الجديدة التي تتعاقب على حياتنا يوماً بعد يوم، ولكنها سرعان ما تمر وتبلى، لتصبح قديمة مثل تلك التي سبقتها، دون أي إضافة تميزها وتجعل لها قيمة خاصة ومعنى مختلفاً. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر قد يبدو أكثر أهمية، يقول: كيف نحافظ على صباحاتنا جميلة ونقية؟ هنا نحتاج أن نعرف ما هي الملوّثات التي نتعرض إليها يومياً، بدءاً من لحظة استيقاظنا من النوم حتى لحظة وضع رؤوسنا على الوسائد في نهاية اليوم. منظر عقارب الساعة وهي تشير إلى تأخرنا عن موعد الدوام، الاختناقات المرورية، الأخبار السيئة، الأغاني الرديئة، البرامج التافهة، المسلسلات الرديئة، المناظر المقززة، الغيبة، النميمة، والقيل والقال الذي يترامى إلى مسامعنا من هنا وهناك. للأسف نحن نستقبل ملوّثات من الآخرين ونسهم في صنع ملوّثات أخرى نصدرها إليهم، حتى إن كنا لا نقصد ذلك، وفي كثير من الأحيان لا ندرك أننا نقوم بها أصلاً. حتى أكون واقعياً في طرحي، فهذه الملوّثات من الصعب إيقافها تماماً، ولكن من الممكن جداً أن نقلل منها إلى الحد الذي يضمن لنا صباحات أكثر نقاء وحياة أكثر جمالاً. فهل نبدأ من الغد؟ أتمنى ذلك! [email protected]