الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ضحكتي المفقودة .. وبضع دجاجات وديك

ربما لم أملك يوماً الكثير لأفقده، أما ذلك الذي اعتبرته يوماً ما قليلاً واعتيادياً، فقد فقدته دونما شعور مني، وبالتدريج.. كمياهٍ تسرَّبت من بين أصابعي على مهل، لدرجة أنَّ رطوبتها لم تسمح لي بأن أدرك أنها تسربت إلى آخر قطرة. لذا كان على الرطوبة لاحقاً أن تجفّ لأقع على اكتشاف مباغت بالفقدان؛ كان عليّ أن أتداركه منذ البداية وقبل فوات الأوان.. تلك المياه هي «ضحكتي»، التي تلاشت بشكل تدريجي. أذكرها جيداً، ومازال صداها يهزّ جدران ذاكرتي، وذاكرة من كانوا حولي. ضحكتي المجلجلة تلك، عندما يسألني أناس الماضي عنها، بماذا أجيب؟! كنتُ أملكها وأملك أباً لا يملُّ التغزّل بها، مقارناً ابتسامتي بابتسامة من حولي، مدعياً أنني أملك الأجمل! بإمكاني الآن أن أصطنع شبح ابتسامة لأخذ صورة فوتوغرافية مع حزني، لكني لا أريد، بل أريد تلك الحقيقة الصادقة المشاكسة الوقحة «ضحكتي». ومع فقدان الحلم، يبدو الضحك أكثر صعوبة، خصوصاً عندما يودّعك الأمل، متمنياً لك أياماً سعيدة دونه، ليصبح تحديد الهدف أمراً غير مُجدٍ على الإطلاق.. فابتسم إذاً للصورة! أذكر أشياء أخرى فقدتها، كما فقدتُ ضحكتي وربما بالطريقة نفسها، دجاجات عمتي، وذلك الديك النرجسي الملون، «يتمختر» في أرجاء الدار متباهياً بريشه.. كنت أشاركها، بشغف طفلة، إطعامها يومياً، أمسك بالصيصان المرتجفة بين يدي الصغيرتين، وأعبث بزغبها الملون. وفي يوم، لم أحسب له حساباً أنا وأخواتي، قفز كلبٌ ضخم من الجوار على قنّ الدجاج، في ليلة ممطرة عاصفة، فانهار القن، وماتت بعض الدجاجات، فيما لم تفلح الأخريات بالهرب من أنياب الكلب. في صباح اليوم التالي، ذعرتُ وشقيقاتي؛ ريش منتوف، وآثار دماء، ومخالب.. بكينا دجاجاتنا وصيصاننا، وقمنا بمراسم الدفن، فيما استمرّ الديك بالصياح والجري بصوت مبحوح وطريقة هيستيرية (فاقد هو لدجاجاته)، وقد نفر الدم من عرفه. فضَّلت أمي ذبحه لتريحه من عذابه، فاعترضنا بشدة أنا وشقيقاتي واتهمناها بالقسوة، ورفضنا أن نأكل من لحمه. في الحقيقة، لم تكن أمي قاسية وقتها على الإطلاق؛ فكثيراً ما يحتاج الواحد منا إلى رصاصة رحمة. قصة دجاجاتنا تلك تشبه قصة ضحكتي التي فقدتها... الديك، وقتها، تحوَّل إلى «ملوخية»، وعمتي توفيت منذ أكثر من عام، وضحكتي لم أعثر عليها حتى الآن.