الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الشهادة ليست فقداً .. ولشهداء الإمارات الحياة

لم تكن الشهادة يوماً فرحاً بذاتها مهما علت مرتبة تقديسها في سبيل الله والوطن والأرض والعرض، بل كانت على الدوام عرساً جنائزياً مهيباً تحييه النفوس بكثير حزنٍ لفقد حبيب أو قريب أو فراق عزيز غالٍ. هي مسلّماتٌ وأفكارٌ تعارف عليها الناس منذ الأزل، بل هي ركائز تقييم المرء لعملية الاستشهاد وقيمة الشهادة، إلا أنّها في الحالة الإماراتية الاستثنائية، انعكست لترسخ في النفوس حقائق ومُسَلّمات جديدة مغايرة. فلا الشهادة حزنٌ وجنائزيةٌ ولا الاستشهاد إلا مطلباً حقاً لرجالٍ ليسوا تحت الشمس كما في تعريف أحد الأدباء العرب الكبار، بل هم رجال الشمس التي تسطع بإرادة التحرير وقدرة العزم والحزم وإعادة الأمل، وهم جندُ الرحمن في إحقاق الحق ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف. نعم، للشهادة في الإمارات طعمٌ آخر، ولها حضورٌ أعمق في حاضر إماراتنا المتوثبة في سبيل الحق، بأسودها وجنودها البواسل، وللشهادة شكلٌ آخر أقرب إلى الوجدان والوجود، وعلى مستوياتٍ ثلاثة: المستوى القيادي أولاً، ثم المستوى الجمعي المجتمعي ثانياً، ثم المستوى الذاتي ثالثاً. أما على المستوى القيادي فللإمارات قيادة رشيدة حكيمة، تدرك عظمة الخيار الوطني بالشهادة والاستشهاد في سبيل أرض وعرض، ولي هنا أن أردد مقولة سيدي وقائدي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «شهداء الإمارات أحياء بيننا وفي وجداننا وذكراهم باقية في قلوبنا»، وفي هذه المقولة استراتيجية وطنية تبقى للأجيال، برؤية الحفاظ على إرث الشهداء والاحتفاء بشهادتهم المباركة في سبيل الوطن، وتخليد حضورهم في الوجدان الجمعي للشعب والأمة. إنها القيادة التي تسبق جنودها إلى النزال، بل وتذهب أبعد من ذلك من خلال وجود فلذات أكباد شيوخنا حفظهم الله في الجبهات إلى جانب إخوانهم الأبطال، ومن خلال الحضور اليومي لقيادتنا القدوة، على امتداد أرضنا الحبيبة، واصلةً الليل بالنهار، في مواساة أمّ وأخت كلّ شهيد، وابنة وابن كلّ شهيد، ووالدة ووالد كلّ شهيد، فهل هناك كلامٌ أبلغ من ذلك؟، وهل هناك من موقف أكثر تشريفاً؟ أمّا على المستوى الجمعي المجتمعي فحضور الشهداء راسخٌ في أدبيات الوجود ومفردات الكيان الوطني، وحضورهم واضحٌ جليٌّ في ما أبرزه من تلاحم وطني حقيقي ومؤثر على مستوى جميع شرائح الشعب وفئات المجتمع، في مشهد وطني جامع يكاد يوازي أهميةً يوم الاحتفال بذكرى قيام اتحاد دولتنا الحبيبة، الإمارات. هو شعبٌ لم يعد بسماته وصفاته كما كان قبل استشهاد جنوده الأبطال، فها نحن نستمع إلى أم الشهيد وهي تردد أن أبناءها جميعاً فداءٌ للوطن، وها نحن نرى الجندي الجريح وهو يرجو قائده السماح له بالعودة إلى ميدان القتال ليكمل المسيرة حتى النصر المؤزر، وها نحن نشهد اصطفاف الآلاف من المتبرعين بالدم إسهاماً في ترجمة الإيمان الراسخ والعميق بأن الوطن للجميع، وأننا كلنا الإمارات. أما على المستوى الذاتي فها هو الإنسان الإماراتي، يبرز في ميادين النزال بطلاً مقداماً يهب لنجدة الشقيق وتلبية الصديق، ويقدّم الدم والمال والعيال رخيصةً في سبيل الوطن، ويهبّ إلى تلبية نداء الوطن في كل ميدان، بما يعنيه كلّ ذلك من إحساس كبير بالمسؤولية الوطنية، وإدراك حقيقي لمعاني الشهادة وكونها السبيل الأشرف لحياةٍ عزيزة كريمة. باجتماع هذه المستويات الثلاث، سيكون لدولتنا الغالية أن تتبوأ مراكز الصدارة بين الدول، وأن تحتل المكانة الراسخة في ضمير الإنسانية ووعي الشعوب التي تدرك جيداً الخيط الرفيع بين الحق وادعاء الحق، والظلم وادعاء المظلومية، والشهادة في سبيل قضية ووطن أو الموت عبثاً في سبيل مشاريع تصفوية استعمارية توسعية يواجهها تحالفنا العربي بالحزم وإرادة استعادة أمل فقدناه.