الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ثقافة الشعوذة

في مسرحية (السحب) الساخرة لأريستوفان يسمع ستربسياديس أن سقراط يدير متجراً للتفكير يستطيع كل إنسان أن يتعلم فيه كيف يقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً، فيقرر اللجوء إليه ليعلمه كيف يتنصل من الديون الثقيلة التي أرهقته، وجعلته مطارداً ليل نهار.. ولأن الرجل كان غبياً، ويعاني بطئاً في التعلم يطلب إليه سقراط أن يرسل ابنه ليحل محله، وبالفعل يتمكن الابن من إنقاذ والده من دائنيه، بفضل ما تعلمه من مهارات الجدل الكلامي، لكنه يستخدم هذه المهارات نفسها في الانقلاب على أبيه، وضربه بحجة تأديبه، لأنه لم يحسن تربيته، وجعل منه رجلاً مراوغاً مخادعاً. حكايتنا مع الحق الذي ينقلب باطلاً، والباطل الذي ينقلب حقاً ليست جديدة إذاً.. بل ربما كانت جزءاً من تاريخ العالم، ومن طبيعته أيضاً.. نوع من الشعوذة يمارسه أناس تدربوا عليه طويلاً، وأتقنوه. كأن تجعل فلسطين التي اغتصبت على أيدي مجموعة من القتلة قضية صراع على الحدود لا غير. وكأن تجعل من شعب سوريا الذي قتل أكثر من 300 ألف من شبابه وأطفاله ونسائه عصابات من الإرهابيين يستهدفون أمن العالم ورخاءه واستقراره. وأن تجعل من ميليشيات الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والطائفيين في العراق رموزاً للمقاومة. لا نتحدث هنا في السياسة، بل في صلب الثقافة، حيث يضع الحاوي الباطل في قبعته ليخرجه حقاً ناصع البياض.. ويصفق الجمهور. [email protected]