الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

كلينسمان كبش فـــداء

عاشت كرة القدم في الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضي كابوساً مخيفاً تمثل في السقوط المدوي لمنتخبيها الأول والأولمبي، وفشلهما في تحقيق نتائج إيجابية من مباراتيهما الحاسمتين، إذ ابتدر المنتخب الأولمبي النتائج المخيبة بالهزيمة أمام منافسه الهندوراسي، وفقدانه بوصلة التأهل إلى أولمبياد ريو دي جانيرو العام المقبل. ولم يمضِ سوى سبع ساعات فقط على دوي الكارثة، حتى أضاف المنتخب الأول إليها نكسة جديدة بالسقوط أمام ضيفه المكسيكي 3 ـ 2 بعد الوقت الإضافي، ليضل بدوره طريق نهائيات بطولة كأس القارات في روسيا 2017. وأثارت النتائج الهزيلة للمنتخبين الكثير من الجدل في الأوساط الرياضية الأمريكية، ملقية باللوم على خطط واستراتيجية مدرب المنتخب الأول والمسؤول غير المباشر عن الأولمبي الألماني يورغن كلينسمان، ليجد الأخير نفسه تحت ضغط المطالبة بإقالته فوراً من أجل إنقاذ سمعة الكرة الأمريكية في المحافل الدولية. يبدو الأمر أكبر من ردة الفعل الغاضبة والمتسرعة، إثر خروج المنتخب الأولمبي من سباق أولمبياد ٢٠١٦ وكأس القارات ٢٠١٧ إذ تبرز الحاجة الملحة إلى إلقاء نظرة أعمق وأشمل لأسباب التراجع، وتقييمه بمنظور نقدي خالٍ من الانفعال والتعاطف. والمقصود بذلك مراجعة المنظومة الكروية في أمريكا ككل، ابتداء من العتبة الأولى في تأمين مستقبل الكرة في أي قطر، وهي المدارس والأكاديميات المعنية بتدريب وتعليم النشء أساسيات كرة القدم، وهو مثار قضية اليوم، إذ نهدف عبره إلى الوقوف على أهم التغييرات التي طرأت على المؤسسات داخل أمريكا، إضافة إلى الصراع الدائر بين برامج تلك المؤسسات وبين الواقع اليومي، ومدى تأثير ذلك في مستقبل الكرة الأمريكية. نظرة عندما أزاحت الأكاديمية الأمريكية لتنمية كرة القدم الستار عن دوري الأكاديميات والمدارس المنضوية تحت لوائها في العاشر من فبراير 2012، بعد عام فقط على تولي الألماني كلينسمان تدريب المنتخب، والذي يستمر لمدة عشرة أشهر، وتتنافس فيه فرق صغار الأكاديميات، استبشر الكثيرون خيراً بالمشروع، خصوصاً في ظل تعهدات المدرب الألماني بالإشراف عليه، ورصد مواهبه، وإدماجها في المنتخب الأول، إضافة إلى تقديم البعض منها لأندية دوري السوكر، محاكياً بذلك النموذج الأوروبي المصنف على رأس الهرم في الاهتمام بمواهب الصغار. وأوضح كلينسمان في فورة حماسه الأولى للمشروع «إذا كانت أمريكا تريد حقاً الانضمام إلى مصاف الدول المتقدمة كروياً، فعليها الاهتمام بمثل هذا المشروع (الدوري)، لجهة توفيره فرص منافسة مناسبة للصغار، تسهم في رفدهم بالكثير من التجارب المثمرة». وأضاف «دوري الأكاديميات هو الصيغة السليمة والحاضنة لنهضة الكرة، لأنها توفر توازناً جيداً للدمج بين الأفكار التدريبية النظرية، وتطبيقها على أرض الواقع، أعتقد أن هذا هو النموذج المتبع في جميع دول العالم، أنا سعيد لأننا قررنا ذلك». نكسة لم تكد الأجواء المتفائلة بنجاح المشروع تصمد كثيراً، فسرعان ما واجهته الكثير من المشاكل، أبرزها ما فعله كلينسمان نفسه في العامين الأخيرين، وتحديداً، منتصف العام الجاري، إذ نكث عهوده الماضية والمتعلقة بإدماج المواهب في المنتخب الأول، بعد أن اعتمد في جانب الشباب ضمن تشكيلته التي خاض بها بطولة الكأس الذهبية يوليو الماضي على سبعة لاعبين لم ينتموا يوماً إلى الأكاديميات الأمريكية، (تدربوا في أوروبا)، إضافة إلى استعانته بثمانية لاعبين صغار آخرين في مواجهتيه الوديتين أمام كل من البرازيل وبيرو الشهر الماضي، لتكتمل الأزمة باختياره خمسة لاعبين أيضاً لمواجهته الودية أمام كوستاريكا الأربعاء الماضي، من دون أن يلتفت لأي لاعب من الأكاديميات المحلية. ومثّل قرار المدرب الألماني خيبة أمل كبيرة لمدربي فرق الأكاديميات والمسؤولين عنها، بعد أن كثفوا من ذروة نشاطهم في غمرة الوعود الكلينسمانية، وتجهيزهم أكثر من 4000 لاعب، يعتقد أنهم من جملة الموهوبين، قبل أن تتخطاهم اختيارات المدرب الألماني لمبارياته الودية التجريبية. غضبة «أعتقد أنه أمر سخيف أن يحدث ذلك، والأكثر سخفاً أن المنتخب على الرغم من ذلك لم يحقق تقدماً ملحوظاً»، هكذا جاءت ردة فعل مدرب فريق مدرسة مارتن لوثر كينغ مارتن جاكبسون على الوضع الحالي للاعبين الصغار، وما يحيط بمستقبلهم من غموض. وتعدّ مدرسة مارتن لوثر كينغ من أنجح المدارس في مجال إعداد لاعبي المستقبل بفضل نجاح المدرب (جاكي) الذي يعمل فيها منذ 1994، وخاض مع الفرق التي يشرف عليها أكثر من 400 مباراة، وكسب بها أكثر من 15 كأساً ضمن 19 بطولة خاضها ضمن منافسات دوري المدارس الأمريكية، إضافة إلى تفريخه الكثير من المواهب لأندية دوري السوكر الأمريكي، أبرزهم نجم فريق نيويورك كوزموس ديفيد ديوسا، ونجم المنتخب المالي ونادي دالاس باكاري سوماري. وأضاف جاكبسون «من ضمن الكثير من اللاعبين الذين نؤهلهم يشق القليل منهم فقط طريقهم في مجال الساحرة المستديرة، هنالك الكثير من المعيقات، وسوء تقدير موهبة اللاعب العائق الأكبر». تساؤلات فتح حديث المدرب الغاضب الباب أمام الكثير من التساؤلات حول ماهية تلك المعيقات التي أشار إليها، وللوهلة الأولى يبدو أن المدرب كلينسمان ليس الوحيد المسؤول عن ضياع المواهب الكروية في أمريكا، حيث شكا الكثير من المدربين عدم التوافق بين البرامج التدريبية للصغار وبين النسق الأكاديمي الضاغط في أمريكا، الذي في رأيهم يسبب إرباكاً في البرنامج الكروي الإعدادي الطموح، إذ يعاني الطلاب ولاعبو المستقبل ضغطاً أكاديمياً رهيباً، يضطرهم أحياناً إلى تجاوز الحصص التدريبية الرياضية والانغماس في الواجبات المدرسية. ودعا مدير الرياضة في أكاديمية نيويورك للقيادة كولن هوزتلر، وهو أيضاً من المدربين المعتمدين لكرة القدم في مدرسة مانهاتن، وفاز معها بثلاث بطولات ضمن دوري المدارس، إلى الحد من تغول الأكاديميات على البرامج الرياضية في المنهج الأمريكي «أعتقد أنه من الصواب أن يخصص فصل الخريف كاملاً لمجال التدريب الرياضي، فيما يمنح بقية العام الدراسي للأنشطة الأكاديمية، لا يعقل ما يحدث حالياً، فقدنا الموسم الماضي ثلاثة مواهب كروية كانت ستشكل إضافة نوعية لكرة القدم في أمريكا، بعد أن اختاروا الاستسلام للأكاديميات». رافييل بوستامنتي أحد أبرز ضحايا الربكة البرامجية، ويعدّ من أبرز لاعبي فريق مدرسة مارتن لوثر كينغ، وحظي بالكثير من إطراءات مدربه جاكبسون، بيد أنه اختار أن يشق طريقه الأكاديمي «أعتقد أن ما تتيحه المدرسة من برامج تدريبية كافٍ لأن يكون أي لاعب نجماً مميزاً في كرة القدم، لكن المشكلة تكمن في التضارب بين المنهج والاستعدادات الرياضية، أعترف بأنني عشت جواً أسرياً مع الفريق، لكنني واجهت في الوقت نفسه الكثير من الصعوبات والضغوط فيما يتعلق بمستواي الأكاديمي، الحل الأمثل من وجهة نظري هو أن تكون هنالك منح كروية من فرق كبرى تضمن تجاوز أي تأخر أكاديمي، وتؤمن للاعب مستقبل احترافه مع النادي». تحدٍّ الآن، وبالمقارنة بين المستوى العام للكرة الأمريكية بعد الهزائم الأخيرة والصعوبات التي تواجه البنية الكروية المتمثلة في المدارس والأكاديميات الأمريكية، يبدو أن كرة القدم في أمريكا أمام تحدٍّ كبير مستقبلاً، وهو وضع يجب أن يتنبه مدرب المنتخب الأمريكي والمسؤولون إلى خطورته، خصوصاً المدرب الألماني المجابه بتصفيات نهائيات مونديال روسيا 2018، إذ إن العبرة ليست في الفوز على كوستاريكا ودياً، بقدر ما تكمن في تجريب صغار اللاعبين الأمريكيين، وإن كانت النتيجة خسارة كبيرة، وتبقى المهمة المنتظرة هي إعادة الأمل إلى الأكاديميات الكروية الأمريكية وصغارها.